عظة الأب إيلي شمعون – ١٣ حزيران ٢٠٢٥

أحببت كثيرًا الكلمة التي تعطيها لنا الكنيسة اليوم في عيد هذا القديس العظيم الذي نحبّه، والذي كثيرًا ما نجهل ما تعنيه قداسته حقًا لحياتنا. كثيرًا ما نختزل أنطونيوس البدواني في قصص ضائعة، وننشغل أحيانًا بأمور ليست هي جوهر رسالته. قداسته، في الحقيقة، جاءت لتدلّنا على ما هو ضائع فعليًّا في حياتنا، والذي جاء يسوع اليوم ليردّه لنا ويمنحنا إياه.

أحببت كثيرًا في القراءة الأولى الحديث عن الموت الذي نعيشه، وخصوصًا ذلك الموت الذي يختبره الإنسان حين يعلن بشارة الحب، حين يقول الحقيقة. أنطونيوس البدواني اختبر في حياته أن البشارة تواجه دائمًا بالاضطهاد، وأمام هذا الاضطهاد، قلب الإنسان بحاجة لأن يدخل في التوبة.

ما هو الخطر الكبير الذي نعيشه أنا وأنتم في وقت الاضطهاد؟ أن نظنّ أننا نحن المهمّون، أن نعتقد أننا آنية من ذهب، بينما نحن في الحقيقة آنية من خزف. فما هو الكنز الحقيقي؟ ما هو الذهب الحقيقي؟ الكنز الذي نحمله هو بشارتنا، بشارة يسوع المسيح.

واليوم، جاء هذا القديس ليكشف لنا السر، ليرينا المفتاح. إخوتي، في هذا العالم المليء بالموت، في كل لحظة نحسّ فيها نحن بالتهديد، باليأس، بالاستسلام، شيء في داخلنا يقول: “اهرب، دبّر حالك، خلّص نفسك، فتّش عن حلول بيدك.” لكن هذا القديس جاء ليقول لنا: كي تكون هناك بشارة حقيقية في حياتنا، لا بد من أن تكون هناك خبرة إيمان.

ما هي خبرة الإيمان؟ هي الخبرة التي أكتشف فيها، أنه في الضعف يوجد حب أقوى مني، في الذلّ توجد نعمة أعظم مني، وفي اللحظة التي أكون فيها ضعيفًا، هناك حب يستطيع أن يقدّسني.

أحببت كثيرًا إنجيل اليوم، الذي كثيرًا ما نشعر أنه ثقيل وغامض. يسوع يقول لنا في هذا الإنجيل: القداسة ليست في الظاهر، الأعمال الخارجية التي نراها في حياتنا ليست سوى نتيجة لقلب. فإما أن يكون قلبك اليوم منشفًى، أو أنك قدّيس في قلبك، إما أن يكون قلبك قادرًا على المحبة، أو لا.

قد تبدو حياتك من الخارج وكأنها كاملة: متزوّج رسميًا، واجتماعيًا حياتك مثالية، لكن إذا كان قلبك غير مشفى، وغير قادر على المحبة، فأنت خارج شريعة الحب.

الذي يتحدث إلينا اليوم، لا يهتمّ ما هي حالتنا الاجتماعية: هل نحن متزوّجون، مطلقون، عازبون؟ ليس هذا هو السؤال. السؤال هو: أين هو قلبي؟ أنا اليوم في دعوة إلى الحب. قلبي، أين هو؟

إخوتي، مع هذا القديس نحن مدعوّون اليوم إلى أن نكتشف دعوتنا الحقيقية: دعوة قلوبنا. أنطونيوس البدواني هو دكتور في الكنيسة، وقد تميّز بنعمة الوعظ، نعمة الكلمة، نعمة البشارة. واليوم، كي تكون هذه البشارة حيّة في قلوبنا، لا بد لها أن تمرّ في حياتنا.

“آمنتُ، ولذلك تكلّمت”، يقول الكتاب. اليوم أنطونيوس يأتينا ليدعونا: ليقبل كل واحد منا أن يدخل في دعوة الإيمان، في خبرة الإيمان، الخبرة التي نكتشف فيها أن قلوبنا ضعيفة، ضائعة، بعيدة، وتحتاج إلى أن تلتقي بهذا الحب الذي يبحث عنها، الحب الذي جاء ليجعلنا نعيش معه خبرة شخصية.

كما يقول المزمور: “إذا كانت هناك بشارة، فسأخبر ماذا فعل الله معي.” نحن اليوم لا نبشّر بأخبار، نحن نبشّر بما فعله يسوع في حياتنا. هل تخبر اليوم عن يسوع؟ ماذا فعل معك في الشدّة؟ هل تخبر عن يسوع؟ ماذا فعل معك في المرض؟ في الموت؟ في الظلم؟

في هذه اللحظة، إخوتي، يسوع يعطينا نعمة البشارة، وقلبك وقلبي يختبران فيها نعمة الشفاء، نعمة حب كبير يضيء حياتنا. لذلك، أدعوكم في هذا الوقت، وخصوصًا كما قلت في بداية القداس، نحن بحاجة إلى السلام، نحن اليوم خائفون، وتعبنا من عدم الدخول في السلام.

نحن بحاجة أن يُشفى هذا القلب، لكي يُشفى هذا النظر، فلا يعود نظرًا يحكم، بل قلبًا يعرف أن يسامح، لأنه يوجد من سامحنا بهذا القدر، لكي يدخلنا بثقة إلى أن هذا البيت، هذا التاريخ، هذه الحياة، لن تظل بلا معنى، ولن تبقى بلا خلاص.

من محبّته، هو يدعونا في هذه اللحظة، أن نضع قلوبنا أمامه، لكي يصنع معنا خبرة شخصية، خبرة تنير قلوبنا، وتقدّس حياتنا. لذلك أدعوكم، إخوتي، أن نأخذ دقيقة صمت، نتأمل في هذه الكلمة، ثم نتابع القداس.