عظة الأب رمزي جريج – ١٣ أيار ٢٠٢٥

كان من المفترض أن يُقام قدّاسنا السنويّ لعيد سيّدة الورديّة في أوّل سبت من شهر أيّار، ولكن بسبب ظروف معيّنة، أُجّل إلى اليوم، الثالث عشر من أيّار، الذي يُصادف عيد سيّدة فاطمة، وهي أيضًا تُعرف بسيّدة الورديّة.

وأثناء تأمّلي في هذه المناسبة، شعرت أنّ ما حدث هذا العام لم يكن صدفة، بل هو تدبير إلهي أن يُنقل القدّاس إلى هذا اليوم. وسأشرح لكم لماذا.

إنّ الثالث عشر من أيّار هو ذكرى محاولة اغتيال البابا يوحنّا بولس الثاني. وبسبب تأجيلنا للقدّاس من أوّل سبت من شهر أيّار إلى هذا اليوم، حصل أمرٌ مهمّ، لا أدري إن كنتم قد لاحظتموه، وهو انتخاب البابا لاوون الرابع عشر.

لقد تأثّرت كثيرًا، لا أعلم عنكم، ولكنني شخصيًّا تأثّرت عندما كنت أتابع انتخابه، وظهوره، والكلمات التي قالها.

أحببت أمرًا مميزًا: يوم انتخابه، كان الغرب يحتفل بعيد سيّدة فاطمة، وفي كلمته ذكرها، وقال إنّها شفيعته. وفي اليوم التالي، حين فسّر سبب اختياره لاسم “لاوون الرابع عشر”، قال إنّه فعل ذلك تيمّنًا بالبابا لاوون الثالث عشر.

ولمن لا يعرف، فإنّ لاوون الثالث عشر يُعدّ من أعظم الباباوات، وفي عهده ظهرت الثورة الصناعيّة، وتقدّمت العلوم والصناعات، ودخلت البشريّة في حقبة جديدة. ولكن، من كان معرّضًا للخطر آنذاك؟ العمال، والفقراء، والمستخدمون، في حين كان أصحاب الشركات يزدادون غنى، ويستغلّون العمّال الضعفاء.

وفي تلك المرحلة، كتب البابا لاوون الثالث عشر الرسالة البابوية العامة الشهيرة ريروم نوفاروم، التي شكّلت محطة مهمّة في تاريخ الكنيسة، إذ دافع فيها عن حقوق المستضعفين والعمال، وقال إنّ من تعاليم الكنيسة أن يتضامن العمّال، ويؤسّسوا نقابات تُطالب بحقوقهم. الكنيسة وقفت إلى جانب الضعفاء.

وقال البابا الجديد إنّه اختار هذا الاسم لأنّنا اليوم، بعد أكثر من مئة عام، أمام ثورة جديدة تهدّد الإنسان وكرامته: الذكاء الاصطناعي.

في تلك الحقبة، كانت الثورة الصناعية مفيدة للبشريّة، إذ حسّنت حياة الناس، ولكن كان هناك خطر أن تُسيء إلى الإنسان وتدوس على كرامته. واليوم، الذكاء الاصطناعي سيُسهم في تطوير حياة البشريّة، ولكن هناك خوف من أن يُستخدم لتدمير الإنسان وأخيه الإنسان.

كلّ تطوّر في البشريّة يمكن أن يُستخدم للخير أو للشرّ.
أحسست، إخوتي، أنّ هناك رسالة مهمّة لنا جميعًا اليوم.

أنا أحبّ سيّدة بومباي، لأنّ قصّتها لا ترتبط بالظهورات أو العجائب، بل بالتوبة. إنّه مزار عالميّ، وقصّته مرتبطة بالعودة إلى الله.

بارتولو لونغو كان بعيدًا عن الله، وكان من كهنة الشيطان. كان مثقّفًا ومتعلمًا، وتعرّف إلى محبّة الله من خلال المسبحة والعذراء.
يا لها من معجزة! انتقل من أن يكون كاهنًا للشيطان إلى أن يصبح مبشّرًا بمحبة الله.

ومن غيّره؟ كلمة الله.
المسبحة التي تُدخلنا في علاقة مع كلمة الله، وتذكّرنا بالأسرار التي تعلن حبّ الله.

في الإنجيل اليوم، قال لنا يسوع: “إن لم تصدّقوا أقوالي، فصدّقوا أعمالي”.
وأسرار المسبحة تذكّرنا بأعمال الله: البشارة، الزيارة، الميلاد، التقدمة، الجلد، بستان الزيتون، إكليل الشوك، الصلب، أسرار النور، أسرار المجد… كلّها أعمال محبّة.

من خلالها، يقرع الله أبواب قلوبنا المجروحة، الباحثة عن الخلاص والحياة.

أليس كذلك؟

نحن نبحث عن الحياة الجميلة، وأحيانًا نلجأ إلى أمور هذا العالم لنجد الفرح، ولكن من دون الله، لا نجد لا فرحًا ولا سعادة.
بل، كثيرًا ما تقودنا هذه الأمور، إن استُعملت بشكل خاطئ، إلى الموت.

عندما اخترع ألفريد نوبل البارود، كان الهدف خدمة البشر، لكنّ البشريّة دخلت في دوّامة الأسلحة، حتى وصلت إلى النووي.
أليس كذلك؟

الثورة الصناعيّة طوّرت الحياة، ولكنّ البشر استخدموها لتدمير بعضهم البعض.
واليوم، الذكاء الاصطناعي سيُحدث تغييرًا كبيرًا في حياة الإنسان. وإن لم يكن في قلبه محبّة الله، سيُصبح أداة تدمير.

وليس فقط الكبار والعلماء من قد يُسيئون استخدامه، بل أنا وأنتم أيضًا.
فكلّما ازداد ذكاؤنا، أصبحنا أكثر قدرة على سحق بعضنا بعضًا.

كلمة الله اليوم مهمّة جدًّا.

في أعمال الرسل، قيل: عندما وقع الاضطهاد على المسيحيّين في أورشليم، تشتّتوا، وكانت تلك فرصة لانتشار الإنجيل.
وصل إلى فينيقيا، أي منطقتنا.

نحن بُشّرنا بحبّ الله من خلال الاضطهاد، من خلال الألم، والشدّة، والوجع.
أحيانًا، تكون هذه الصعوبات فرصة لخلاصنا.

ولمّا وصل الإنجيل إلى أنطاكية، قيل إنّ التبشير كان في البداية موجّهًا لليهود فقط. ولكن في أنطاكية، بدأ الانفتاح على الوثنيين. ومن هنا، دخلنا نحن في دائرة الخلاص.

ولمّا علمت كنيسة أورشليم أنّ هناك مؤمنين من غير أصل يهودي، أرسلوا برنابا، الذي رأى الغيرة والحماس وتعلّقهم بالمسيح.

من هم المسيحيّون؟
قيل: في أنطاكية، دُعي تلاميذ يسوع للمرّة الأولى “مسيحيّين”.

من هم المسيحيّون؟
هل هم فقط من تعمّدوا؟ من وُلدوا في بيئة مسيحيّة؟
في زمنهم، كان اليهود يُولَدون يهودًا.

لكن كلمة الله تُعلّمنا: هناك من رأى المسيح ورفضه، وهناك غرباء سمعوا عنه، وآمنوا به، وصاروا نورًا للعالم.

فلنُسق هذا التعليم على زمننا:

هناك مسيحيّون يعرفون المسيح، يسمعون كلمته، لكنّهم يقسون قلوبهم، ويدمّرون بعضهم البعض، ويسلكون طريق الموت.

وهناك أناس بعيدون عن المسيحيّة، لم يولدوا فيها، لكنّهم سمعوا كلمة الله، وفتحوا قلوبهم، وأزهرت حياتهم بالإيمان.

نحن، لأنّنا وُلدنا مسيحيّين، لا نملك ما نفتخر به.
ما يجعلنا أفضل هو أن نفتح قلوبنا لكلمة الله، لعمل الله، لحبّ يسوع المسيح.

حينها فقط، نصبح من بُناة مجتمع جديد، قائم على ملكوت الله على الأرض.

ملكوت الله لن يأتي من تلقاء نفسه، بل يحتاج لمن يبنيه.

ومن يبنيه؟
أبناء مريم، الذين مثلها، يفتحون قلوبهم لكلمة الله، ولا يقسون قلوبهم، بل يسمحون لكلمته أن تدخل إلى حياتهم، فيمتلئون بها، ويصبحون صانعي سلام، وبناة للملكوت.

أدعوكم اليوم، وأتمنّى أن يكون هذا العيد، رغم كلّ الاضطهادات الخارجيّة والداخليّة، فرصة لخلاصنا، وخلاص من حولنا، وخلاص البشريّة جمعاء.

فلنأخذ دقيقة صمت، نتأمّل في هذه الكلمة، ونطلب من الربّ يسوع النعمة، أن نكون، مع مريم، ومثل مريم، وكأبناء مريم، من الذين يفتحون قلوبهم لكلمة الله، ويسمحون لها أن تعمل في حياتهم.

آمين.