إخوتي،
في هذا النهار، حيث تحتفل الكنيسة بعيد مريم العذراء “أم الكنيسة”، لا نحتفل فقط بعيد لمريم، بل نحتفل بعيدٍ يخصّنا نحن أيضًا. إنه عيد يتكلم عن حياتنا، عن هويتنا نحن ككنيسة.
البابا بولس السادس، في ختام الدورة الثالثة من المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1964، كان أول من أطلق هذا اللقب على مريم، معلنًا إيّاها “أم الكنيسة”، وهو لقب أصبح جزءًا من تعليم الكنيسة.
ثم أتى البابا فرنسيس، وفي سنة 2018، أعلن أن يوم الاثنين بعد أحد العنصرة، أي في زمن حلول الروح القدس عندما كان التلاميذ مجتمعين في العليّة مع مريم، يُحتفل فيه بتذكار “مريم أم الكنيسة”.
لماذا هذا العيد مهم لنا؟
لأن البابا فرنسيس أراد من خلاله أن يؤكد أن مريم، أم يسوع، هي أمّنا جميعًا، ليست فقط أمًّا ليسوع، بل أمًّا للكنيسة، لأن مَن قبلت يسوع، قدّمته لنا أيضًا.
هذا هو دور كل مؤمن: أن يأخذ يسوع ويعطي يسوع.
كيف يمكن للإنسان أن يعطي يسوع في حياته؟
أحببت كثيرًا هاتين الصورتين من الكتاب المقدس:
في سفر التكوين، نرى حواء وآدم، صورة البشرية الأولى. وفي الإنجيل، نرى يسوع كآدم الجديد، ومريم كحواء الجديدة.
آدم الأول، عندما أخطأ، ألقى باللوم على حواء، وقال: “هذه المرأة التي جعلتها معي، هي التي أغوتني”.
أما يسوع، آدم الجديد، الذي لم يعرف الخطيئة، فقد حمل خطايانا. حمل ذنبنا، حمل وجعنا.
ومريم، التي كانت واقفة تحت الصليب، نظرت إلى المخلّص وأخذت الخلاص من ابنها.
صحيح أن مريم كانت بلا خطيئة، لكنها تمثّلني وتمثّلكم، تمثّل الكنيسة.
إنها صورة الكنيسة التي تمشي لتأخذ الخلاص. مريم قبلت خلاص ابنها، قبلت أن تتخلّص بهذا الحب الذي حمل وجع البشرية وخطاياها.
من هنا، ماذا نتعلّم من مريم اليوم؟
نتعلّم وجهتنا، مشروعنا. مريم هي صورة الكنيسة، مشروع كل مؤمن. هي التلميذة الأولى، هي أمّ الله، لكنها أيضًا التي تتلمذت على يدي ابنها.
يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني إن مريم قامت برحلة حجّ في الإيمان. نمت في الإيمان، قبلت الخلاص، وكبرت مع ابنها.
لهذا السبب، أحببت كثيرًا ما جاء في القراءة الأولى التي تقول إن حواء هي “أم كل حي”.
حواء أدخلت الخطيئة إلى قلب الإنسان، أمّا مريم، فهي “أم الإيمان”، جاءت لتعلّم قلب الإنسان كيف يقبل النعمة، كيف يقبل يسوع.
أنا وأنتم لسنا محكومين بالخطيئة. لسنا أبناء الخطيئة، بل أبناء النعمة، أبناء محبة الله.
إذا كنا اليوم مشروع حبّ الله، فقد أراد الله لنا أن نكون على صورة مريم، كمال بشريتنا.
مَن يقف أمام مريم كمن يقف أمام مرآة، يرى فيها وجهه الحقيقي، ويرى نفسه كما يجب أن يكون: على صورة الكنيسة التي أرادها الرب يسوع، كنيسة تُبشّر بالحب وتعطي يسوع لهذا العالم.
أدعوكم، في هذا العيد، أن نقف أمام مريم، ونتعلّم كيف نقبل خلاص يسوع، كيف نقبل حبه الذي يقدّسنا ويجدّدنا ويجعل منا بشريّة جديدة، وكنيسة حيّة.
أدعوكم اليوم، في عيد “مريم أم الكنيسة”، أن نأخذ نصيبًا من هذا العيد، لأنه عيدنا، لندع حب يسوع يدخل إلى حياتنا، ونجعل من هذا العيد محطة فرح نستقبله فيها.
فلنأخذ دقيقة نتأمل في هذه الكلمة، ونضع قلوبنا أمامه، ثم نُكمل قداسنا.