عظة الأب شربل نادر – ١ حزيران ٢٠٢٥

الله معكم إخوتي. نحن في الأحد السابع من زمن الفصح. والكنيسة اليوم تقدّم لنا إنجيل يوحنا، حيث يتحدّث يسوع ويوصي تلاميذه قبل أن يُسلّم ليُعذَّب ويموت، ثم يقوم بعد ثلاثة أيام.

الرب يسوع، في هذا الإنجيل، يوصي تلاميذه آخر وصاياه، قبل أن يدخل في آلامه، وقبل أن يصبح بعيدًا عنهم، وقبل أن يخونه يهوذا ويعتقله الرومان. وهناك أمران مهمّان في هذا الإنجيل، يمكننا أن نتحدّث عنهما لساعات، لكنني سأركّز معكم اليوم على نقطتين.

أولاً، لمن يتوجّه الرب يسوع في هذا الإنجيل؟ إذا انتبهتم، تلاحظون أنه في البدء كان يصلّي إلى الآب، طالبًا النعمة لتلاميذه، لكي لا يتزعزع إيمانهم عندما يواجهون صدمة الصليب، ويروا “فضيحة” موت يسوع المسيح، هذا الموت الذي لم يكن متوقعًا من المخلّص الذي أرسله الله. كانوا يظنّون أن المخلّص سيأتي ليفرض قوّته بالسيف، لا بقوّة المحبة على البغض والشرّ والانتقام.

في هذا الإنجيل، يصلّي يسوع إلى الآب السماوي لأجل تلاميذه، ثم يقول: “لا أطلب من أجلهم فقط، بل أيضًا من أجل الذين سيؤمنون بي بكلامهم.” أي أنه يصلّي من أجلنا نحن، الذين آمنّا بكلام التلاميذ. إذًا، اليوم صلاة يسوع هي من أجلنا جميعًا، من أجل كل واحد وواحدة منّا. الرب يضعنا بين يدي الآب السماوي، طالبًا له النعمة. ولماذا؟ لكي نكون، كما يقول: “ليكونوا بأجمعهم واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا فينا، ليؤمن العالم بأنك أنت أرسلتني.”

ماذا يطلب منّا يسوع؟ الوحدة. أن نكون واحدًا. هو لا يطلب شيئًا لنفسه، بل يقول للآب: كما أنني أنا وأنت واحد، يا رب، امنحهم النعمة ليكونوا هم أيضًا واحدًا. ما أجمل هذه الوصية! ما أعمقها، وما أصعبها، وما أهمّها. بدون هذه الوحدة، نحن لا نكون حقًا مسيحيين.

نحن مدعوّون لنعيش محبة يسوع المسيح للآب، ومحبة الآب ليسوع، ولنعيش هذه المحبة بين بعضنا البعض. إن لم نحب بعضنا البعض، تكون مسيحيتنا ناقصة. لأنه، إخوتي، من سيصدّق أن إلهنا هو إله محبة، إذا لم تنبض حياتنا بالمحبة؟ نحن نعلم جميعًا أن الثالوث الأقدس هو علامة كبرى على أن الله محبة. فالمحبة لا يمكن أن تكون من الإنسان لذاته، لأنها تصبح أنانية. المحبة الحقيقية تخرج من الذات لتعطي الحياة للآخر، وإلا فهي ليست محبة.

لهذا، الله ثالوث. لأنّ المحبة تنتقل من الآب إلى الابن، ومن الابن تعود إلى الآب بالروح القدس. الله هو محبة، ليس فقط من صفاته المحبة، بل هو “المحبة” ذاتها. فكل محبة في هذا العالم هي من الله، وكل عمل محبة نقوم به هو تجسيد لله، لأنه لا توجد محبة حقيقية خارج الله، بل هي انعكاس لصورته.

من هنا، نحن مدعوّون لنعيش هذه المحبة في حياتنا. روح الله فينا، وهذه المحبة يجب أن تنتقل بيننا. وإلا، فإن العالم سيجد صعوبة كبيرة في أن يصدّق أن إلهنا هو إله محبة. فإذا لم يَرَ العالم أننا نحب بعضنا، كيف له أن يصدق أن مَن نؤمن به هو المحبة بحد ذاتها؟

من هنا، رسالتنا صعبة ومهمّة. ونحن لسنا على هامش هذه الرسالة. نحن بحاجة للصلاة العميقة، لنضع ضعفنا أمام الله ونقول له: “يا رب، ساعدنا لنحب، كي يرى الآخرون فينا أننا أولادك، وأننا قد شربنا من محبتك ورحمتك.” إذا لم نحب بعضنا، لا يمكننا أن نكون مسيحيين، ولا أن نقترب من جوهر المسيحية.

ولكي نبشّر، لسنا بحاجة لنخرج إلى الطرقات أو أن نمسك هذا أو ذاك من الناس لنقنعهم. لا. البشارة الحقيقية هي أن نحب بعضنا البعض، وأن يرى الناس هذه المحبة فينا، فيكون ذلك أعظم تبشير. لأن الله يكون حاضرًا حيث توجد المحبة.

أما النقطة الثانية التي أود التأمل فيها معكم، فهي أن وحدتنا لا تعني إلغاء بعضنا البعض. الله لا يقصد أن نكون واحدًا بمعنى أن نتشابه أو نُلغى. يسوع جلس مع من هم من خارج ديانته، أكل معهم، ونام عندهم. هدفه لم يكن أن نُشبه بعضنا البعض، ولا أن نُجبر الآخرين أن يصيروا مثلنا.

حتى نحن كمسيحيين، أن نكون واحدًا لا يعني أن نُفني بعضنا البعض، أو أن نُصبح نسخة واحدة. هذه كارثة. الثالوث الأقدس نفسه هو صورة حقيقية للمحبة، ولكنه ليس شخصًا واحدًا. هو الآب والابن والروح القدس، وكل منهم شخص قائم بحد ذاته. الآب ليس الابن، والابن ليس الروح القدس، ولكنهم في جوهرهم واحد: المحبة.

كذلك نحن في الكنيسة، مدعوّون لنكون واحدًا، نعم، ولكن كجسد واحد مكوّن من أعضاء مختلفة. لا يمكن أن يكون الجسد كله عيونًا أو أيديًا. نحن نحتاج إلى العظام، إلى القلب، إلى اللسان، إلى العيون، إلى الأقدام… كلنا مختلفون، لكننا في تناغم واحد، نُمثّل المحبة التي يدعونا الله إليها.

لذا من المهم أن يكون لدينا فكر منفتح، عقل منفتح، لا نجرّ أحدًا ليُشبهنا، ولا نُشبه الآخرين. هذا غنى الكنيسة، أن يكون لكل واحد منّا شخصيته، لكننا نتّحد في المحبة، فيكون من ينظر إلينا يقول: “حقًا هؤلاء أولاد يسوع المسيح، أولاد الآب السماوي.” لأنهم يتصرّفون بمحبة، رغم اختلافهم، ولكنهم يعيشونها بأعمالهم وتصرفاتهم مع الآخرين.

فلنأخذ الآن لحظة صمت، نطلب فيها النعمة من الرب، ونقول له: “يا رب، أعطني النعمة أولًا كي لا أُلغي الآخر، وأفهم أنّ الآخر، كما هو، هو غنى للكنيسة، وغنى لجسدك. وأعطني النعمة أيضًا، كي نكون واحدًا، بوحدتنا في محبتك ورحمتك، التي علمتنا إياها، لكي نعيشها مع كل مَن نلتقي بهم.” فلنتأمل معًا في هذه الكلمة.