عِندما طَلَبَ يَسوعُ مِن تَلاميذِهِ أن يَكونوا كامِلينَ ورُحَماءَ وأنْ يَغفِروا كَما الآب، لَم يدّعي يسوعُ المِثاليّة. فَهو الذي خَلَقَ الإنسان ويَعرِفُ ضُعفَهُ وحُدودَهُ، ويَعلَمُ جيّدًا أن هذا مُستَحيلٌ علَيهِ وَحدَه. مع ذَلِك، لأنَّهُ يُريدُ مِن تلاميذِهِ أن يكونوا مُختَلفين، فقَد طَلَبَ مِنهُم أن يَسعوا إلى الكمالِ والرَحمَة من أجلِ أن يتشَّبَهوا، لا أن يتطابَقوا (وهو أمرٌ مُستَحيل)، بالآب الذي يُنزِلُ المَطَر على الأبرارِ والفُجَّار.
لهذا السبَبِ أيضاً جَعَلَ يسوعُ ناموسَ موسى أكثَرَ راديكاليّة، وطلب مِنّا تَجاوُزَهُ مِن خِلالِ تَحويلِ قلوبِنا إلى مَحبَّةِ جَميعِ إخوتِنا وحتى أعدائِنا كما فعل هوَ على الصَليب. فمِن خِلالِ علاقَتِنا مَع قريبِنا سنُشبِهُ الآب قَبلَ كلِّ شيء: كاملينَ ورُحماء ومُحبِّينَ حتى المَغفِرة.
ومع ذلك، كلُّ هذا مُستَحيل بدونِ نِعمَةِ الله، مَصدَرُ وسبَبُ كلِّ الكَمال. الروحُ القُدُس الساكِنُ فينا يَمنَحَنا هذه القوَّةَ التي تَغلِبُ ضُعفَنا. للأسَف، تواجِهُ هذه القوَّة أحيانًا مُقاوَمَةً في أجزاءٍ مُعيَّنَةٍ من كيانِنا. هذهِ هيَ أصنامُنا الصَغيرة التي نَزرَعُها في داخِلِنا سرًا. لقد أدرَكَها القديسُ بولس في نفسه : « ولا أقولُ إنّي حَصَلتُ على ذلِكَ أو أدرَكتُ الكَمال، بَل أسعى لَعَلّي أقبِضُ علَيه، فقد قبَضَ عليَّ يَسوع المسيح ».