لم يَكتَفِ يسوعُ بالمجيءِ للعيشِ مَعنا والموتِ مِثلَنا، ليَبتَهِج ويتألَّم مَعنا ومِن خلالِنا، فقد أمضى حياتَهُ كلَّها يُعلِنُ لنا حُبَّ الله ورحَمتهُ وحنانَهُ وحنوِّهِ علينا، وشَفَقَتَه، وقَد دعاهُ أبي، وذلِكَ مِن خلالِ شفاءِ أمراضِنا، وإقامَةِ مَوتانا، وطردِ أرواحَنا الشريرة، وإطعام جياعِنا. عندما أتَمَّ رسالَتَهُ، لم يرغَب في الصعودِ إلى أباه دونَ أن يأخُذَ مَعه ذكرى هذه الإنسانيّة التي أحبَّها كثيرًا: لقد أخذَ مَعَه جَسَدَه.
بل أكثرَ من ذلك، يبدو أنَّ يسوع لم يَكُن لديه الشوق في مُغادَرَتِنا: لقد أرادَ البقاءَ إلى الأبَدِ في أرضِنا. مِن أجلِ تَحقيقِ هذه الرَغبة، لم يبني لنِفسه هيكلاً من الحجارة، لَكنَّهُ اختارَ أن يَسكُن في أجسادِ البَشَر، أولَئِكَ الذين سيَعبُدون الآب بالرّوح والحَق. لقد جعَلَ نَفسَهُ طعامًا وشرابًا ليَجعَلَنا نَفهَمُ أنَّهُ يُريد أن يُصبِح مَن لا يَستَطيعُ التِلميذُ الإستغناءَ عَنهُ، تماماً مِثلَ الخُبزِ والخمرِ بالنسبَةِ للحياةِ الجسديّة.
فبِتأسيسِهِ سرّ الإفخارستيّا ووصيّتَهُ لنا بالاحتفال والمُشارَكة بهِ في كلِّ مَرةٍ يَجتَمِع فيها المُعمَّدين في أقطار العالمِ الأربع ، يَجعل ُيسوع جَسدَه ودمَه طعامًا حقيقيّاً للجَميع وليس فقط لأولئك الذين يتمتَّعون بالكمال الكافي لتناولِه. لقد جعلَ مِن الإفخارستيا قوةً لنا في الأوقاتِ الصُعبةِ في حياتنا. لذا دعونا لا نخاف من تناوُلِ القُربانِ في أغلَبِ الأحيان. لأنّ الإفخارستيا هي عهدُ قيامتنا.