بَعدَ دُخولِه المُنتَصِر كمَلِك إلى أورشليم، راكِباً على جحش ابنَ أتان، قصَدَ بعضُ الوثنيين يسوع وأرادوا التَحدُّث إليه. وبدلًا مِن الرَدِّ عليهِم، يَشرَحُ يسوع لسامِعيه معنى موتِهِ الوشيك. بِالنِسبةِ إليه، مَوتُه لَن يَكونَ غيابًا عن العالم، بل تَمجيدًا وإظهارًا لحَقيقة اللهِ للعَالم. ولهذا أعطى مَثَلَ حبَّةِ الحِنطة التي تَقَع في الأرض. يجبُ أن تَتعفَّنَ هذه الحبوب أولًا وتَختفي في الأرض، ثم تنمو مرَّةً أخرى، مِّما يُحوِّلُها، هي الحبّة الوحيدة ، إلى عددٍ كبيرٍ مِن الحبوب. فيُصبِحُ موتُ يسوع ضَرورة، لأنه سيُعطي ثمارًا كثيرة : الجماعة الجديدة التي سيشكِّلُها : « وأنا إذا رُفِعتُ مِنَ الأرض جَذَبتُ إليّ النَّاسَ أجمَعين »، يقول يسوع.
وعلى المسيحيّ أن ” يَكرهَ حياتَه”، على مثالِ يسوع. لا لإقصائِها أو التَقليل من شأنِها، بل “ليُنفِقَها”، بعيدًا عَن كلِّ أنانيَّة، وجَعلِها في خدمةِ الآخرين، ولا سيَّما مَن هُم في أمسِّ الحَاجَةِ إليها. فالمسيحيّ الذي يَبذُل حياتَهُ هَكذا، يَجِدُها مِئةَ ضُعفٍ في الحَياةِ الأبديَّة، مُتمثِّلاً بالمَسيح الذي جاءَ ليَخدُم لا ليُخدَم، كما يقولُ هو بنفسه.
بالصَومِ والصَلاة المتكررة والمخلصة، وبالمُشارَكة مع الآخرين، في زمن الصَومِ الكَبيرِ هذا، سنَقتَدي بالمسيح أكثر فأكثر، ونستَعدُّ للقيامَةِ مَعهُ عندما، في اليوم الثالث بعدَ مَوتِه، وَجدَ التلاميذُ قبرَهُ فارغاً.