بعدَ ظهورِهِ للوثنيين المتمثِّلين في المجوس، وللشعبِ اليهوديّ من خلالِ معموديّتِهِ في نهر الأردن على يدِ يوحنا المعمدان، قامَ يسوع، بتحويلِه الماء العاديّ إلى خمرٍ جيّدٍ ولذيذ في عرسِ قانا الجليل، بالكَشفِ لتلاميذِهِ عن ملكوتِ أبيه الذي أتى ليُقيمُهُ في العالم. كان هذا الدِنحُ الثالث.
للإعلانِ عن هذا الملكوت، إستَخدَمَ يسوع في أمثالِه المتكرِّرَة صورةَ وليمةِ العُرس التي لا تَخلو مِن الخَمِر. وهو نَفسَهُ في عشاءِ الفصح الأخير قال لتلاميذِه : « لَن أشربَ بعد الآن مِن عصير الكَرمة، حتى ذلِكَ اليوم الَّذي فيهِ أشرَبُهُ جديداً في ملكوتِ الله ». الخَمِر الذي قدَّمَهُ يسوع في قانا الجليل، فأظهر بِه مَجدَهُ وأمَن به تلاميذُه، يَرمُز إلى خَمر الحبِّ الزوجيّ بينَ الله وشعبِهِ الجديد الذي خلَّصه بآلام وموتِ ابنه وقيامَتِه. في الحقيقة وعلى الصليب، أسَّسَ يسوع بدمِهِ المسفوك العهدَ الجديد والأبديّ لأبيه مع هذه البشريّة الجديدة.
هذا الخمرُ الذي قدَّمَهُ يسوع هو رمزٌ لروحِ الحبِّ هذا الذي يُريدُ الله أن يَسكِبَهُ على شعبِ مَملكَتِهِ وعلى كلِّ فردٍ من هذا الشعب، لكي يُرمِّمَ صورةَ الآب فيهِم، والتي شوَّهتها الخطيئة. في الواقِع، سيقومُ هذا الروح بِذاتِ عملِ المحبّة الذي يقوم بهِ في الثالوث الأقدس، بِغَضِّ النَظَر عن ضُعفِنا أو بؤسِنا.
هل نحنُ جاهِزون لدخولِ هذا الملكوت لِنَشرَبَ هناكَ حتى شَبَعِنا، خَمرَ مَحبّةِ الزواجِ التي يريد الآب أن يُقدِّمها لنا بسخاء؟