بإجابَتِها لملاكِ الله بـ «نَعم»، دونَ أن تَعي ربّما كلَّ ما قالَ لها، سلَّمَت مَريم نَفسَها بالكاملِ بين يدَي الله. إنَّهُ أعظَمُ عَمَلٍ مِنَ الثِقة والإيمان يُمكِنُ أنْ يَقومَ بِهِ شَخصٌ حُرّ وواعي. ورُبَّما خافَت مِن أنَّها ستُرجَمُ إذا حَمِلَت قَبلَ زواجِها. لكنَّها لم تَتوقَع أنْ تقبَلَ في أحشائِها خالِق السماء والأرض والذي لن ينتمي كليّاً إليها. والدليلُ على ذلِكَ هو جوابُ يَسوع لها عندما وجدَتهُ في الهيكل بعد ثلاثةِ أيامٍ من البحث.
إنَّ الـتَسليمَ لله يعني التَخلّي عن أيِّ إمكانيَّةٍ لمَعرِفَتِهِ بقوّتِنا أو امتلاكِهِ أو أيِّ وَهمٍ بامتلاكِ ذواتِنا. في الواقِع، نَحنُ نَنتمي إليهِ حَصراً بواسطَةِ الخَتمِ الذي طبَعَهُ علينا في مَعموديَّتِنا. لقد أصبَحنا شَعبَهُ، وقطيعَه. إنّ التسليمَ لله يعني السماحَ لَهُ أن يَملأنا بِحُبِّه بَعد أن نكونَ قَد تخَلَّصنا من الإنسانِ القديم. إنَّهُ التشبُّه بالمَسيح الذي قَبِلَ أن يَمتلِئ بأبيه، وأن يُرسِلَهُ مُخلّصًا للعالم، والذي تجرَّدَ مِن ذاته ليضَعَ نَفسَه في خِدمَة الإنسان.
إنَّ التَسليمَ لله هو الاقتداءُ بمَريم العذراء التي جرَّدَت نَفسها من السُلطة التي تَستَحِقُها بسببِ أمومَتِها البيولوجيّة ليسوع، لتُصبِحَ خادمةً مُتواضعة وتلميذةً لإبنها، صحيح أنّها تَبِعتهُ من بَعيد، ولكنّها كانت حاضِرة عندَ قدَمَيه عندما كان مُعلَّقاً على الصليب حتى لا تَترُكَهُ يَموت وحيداً.
لِنطلُبَ من العذراءِ مريم أن تنالَ لنا نِعمةَ الاقتداءِ بِها.