يوجَدُ دائِماً ما يَسبُقُنا. كمخلوقات يوجَدُ قبلنا خالق؛ كبشر، توجَدُ قبلنا عائلة، ولغة، واسم، وثقافة…؛ نحنُ مَسبقون من أبٍ يُحبُّنا إلى ما لا نهاية، ولكي يُعبّرَ لنا عَن هذا الحُبّ، يُقدّمُ نَفسَهُ بِحريَّةٍ وبِشكلٍ مَجانيّ، مُقدّمًا أغلى ما لدَيه: ابنه الوحيد. عندما يُعطينا إبنَهُ فهو يعطي نَفسَه. هذا الحُبّ اللامحدود هو كَونيّ، أي يستَهدِفُ الكَونَ بأكمَلِه. بالإضافة إلى ذلك، إنّهُ فاعِلٌ ومحوّل: إنّهُ يُخلّصُنا مِنَ الموت والخطيئة ويَجعلُنا نَعيشُ من حياتِه الخاصة. في الواقِع، يأتي هذا الابن ليُخلّصَنا وليُنقِذَنا، لا ليَحكُم أو يَدين. لأنَّ البشريَّةَ بأسرِها تَنتَمي إليهِ من خلالِ عهدٍ أبديّ أقامَهُ الآبُ معها، والذي سيُجدّدُهُ يَسوع بِدَمِهِ على الصَليب.
إنّهُ فقط من خلالِ إيمانِنا – ثقتنا في هذا الحُبّ وبقبولنا الحُر لهذا العهد، سنُخلَّص؛ ونسمح للآب أن يحوِّلنا من خلالِ مَحبَتِه وأن يَخلُقَ فينا هذا ” الإنسان الجديد ” الذي جاء لتَحقيقِه في ملكوتِه على هذه الأرض.
دعونا نستفيد من زمن الصوم هذا، لنُجدّدَ عهودَ معموديَّتِنا، وتَسليمِنا الكامل بيدِ هذا الآب الذي لا يريدُ إلّا خَيرنا. فلنُظهِر هذه الثِقة بالخروج من ذواتِنا لخدمة إخوتنا، وخاصة الأكثر حاجة، لكي نَعرُضَ لهم، من خلال شهادَتِنا وعَطفنا، وجه هذا الآب الرحيم.