العطاءُ والـتَلقّي

في نهايَةِ هذا الخطابِ الطَويل ليَسوع الذي جَمَعَهُ الإنجيليّ متى، وَضعَ يَسوعُ الشَرطَ الضَروريّ الذي يَجِبُ على التّلميذِ أن يَفي بِهِ إذا أرادَ أن يَقتَدي به ويَتبَعُه.

يُريدُ أولَويَّة غير مُجزأة في كلَّ شَيء من حبِّ هذا التَلميذ. قبلَ الأُسرة والمهنة ، والعَمَل… لا يَرغَبُ يسوع أن نتَجاهَل واجباتنا تجاهَ أهلِنا، فهو بذلِكَ يكونُ يُناقِض نَفسَه. لكنَّه يتطلَّعُ إلى أن يظلَّ حُبّنا له مَفتوحًا للتَرحيبِ بالآخرين، ومَنحُهُم المَودَّة والعِناية والإِهتمام. ولَكِن ذلِك يكونُ بسَبَبهِ وفيهِ ومن أجلِه.

متوجِهاً الى الله، يقولُ القديس أوغسطينوس: ” أن نُحِبَّ شيئًا ما في نفسِ الوَقِت الذي نُحِبُّكَ فيه دون أن نُحبُّهُ من أجلِكَ، هذا يعني أن نُحبُّكَ أقَلّ “.
في الواقِع، الحبُّ هو إعطاءُ كلُّ المَساحة للآخر دون الاحتفاظ بأيِّ شيءٍ لأنفُسِنا. أن تحِبَّ المسيح تمامًا هو أن تُحبُّهُ بمجانيّة، وتتخلّى عن ذاتَك تمامًا بين يديه من أجل تحقيقِ مشيئَتِهِ على أكمَلِ وَجِهٍ مُمكِن والإقتداءُ بهِ في كلِّ سُلوكِهِ حتى هِبَةَ الذاتِ المجانيَّة. لكنَّ هذا الحُبُّ هو عطاءٌ لا يَخلو من المكافأة.

في الحقيقة، عندما يُحِبُّ الله، تكونُ مَحَبَتُهُ فعَّالة. لقد وَعَد أولَئِك الذين يَترُكونَ لأجلِهِ كلَّ شيءٍ أن ينالوا مِئةَ ضُعفٍ، تِلكَ الوَفرة التي هي مِقياسُ عطيةِ الله. لقّد وَعَد : « ومَن سقى أحَدَ هؤلاءِ الصِّغار، ولَو كأسَ ماءٍ بارِد لأنَّهُ تلميذ، فالحقَّ أقولُ لكُم إنَّ أجرَهُ لَن يَضيع ».