خَرَجَ يهوذا في الحال، فوَجِدَ يسوعُ نَفسَهُ في خصوصيّةٍ كامِلةٍ مع رُسُلِهِ ليُعطيَهُم وصيّتَهُ. هيَ المرّةُ الأولى والوحيدة الذي يُخاطِبُهم فيها قائلاً لَهُم : « يا أبنائي ». هل كان على الرُسُل أن يُصبِحوا أطفالاً لأنّ يسوع سبَقَ أن أعلَنَ لَهُم :« إن لَم تَرجِعوا فتَصيروا مِتلَ الأطفال، لا تَدخُلوا مَلَكوتَ السَّموات » ؟
لا يرى يسوع في إبنِ الإنسانِ أنانيَّتَهُ الأصليّة. لا يرى إلا بساطَتَهُ ويُدرِكُ ضُعفَهُ وهو ما يقدِّمَهُ لنا كمِثال. بالفِعل لا يَخفي الطفلُ حقيقَتَهُ ويُصدِّقُ كلَّ ما يقولُه لهُ والِداه لأنّهُ يثِقُ بِهِم ولا يخشى دَعوَتَهُم لِتلبيةِ جميعَ احتياجاتِه. وعِندما يَنضَج، يُصبِحُ الطُفل مستقلاً، لَكنَّهُ يستَمرُّ بالامتِنان لوالِديه ويَحتَفِظ لَهُم بالحبِّ والإحتِرام.
المَسيحيّ هو ابنٌ لأب مُختَلف. هذا الأب لا يُريد أبناءً رُضَّع، بل أبناءً يعرِفون كيف يكونونَ بالِغين ومُعتَمدين علَيهِ في الوقتِ عَينِه. أبناءٌ يُدركون في أبيهِم مَبدأهُم وغايَتِهِم والذي بِدونِه لا يُمكِنُهُم أن يَفعَلوا شيئاً. أبناءٌ يواجِهون الواقِع، مُعتَمِدين على كلِّ مواهِبِهِم و ذكائِهِم وإرادَتِهم ، ويأخذونَ المُبادرات … مُدرِكين، في ذاتِ الوقت، بتواضُعٍ أنّهم مَدينونَ بكلِّ شيءٍ لهذا الأب و يَسعونَ جاهدين للتناغُم مع إرادَتِه.
وَحدَهُ الروح القدس قادِر على تشكيلِ مِثلِ هؤلاء الأبناء. فلنسأله هذا الأمر.