ظهورات سيدة الأيقونة العجائبية – باريس

الظهور الأول

ظهورات سيدة الأيقونة العجائبية لكاترين لابوريه
ظهورات سيدة الأيقونة العجائبية لكاترين لابوريه

في ليل ١٨-١٩ تموز ١٨٣٠، ظهرت العذراء مريم للمرة الأولى إلى مبتدئة شابة في جمعية راهبات المحبة اسمها “كاترين لابوريه”. لنترك القديسة تروي لنا الحادثة: ” عند الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، سمعت صوتاً يناديني باسمي استيقظت ونظرت من حيث يأتي الصوت وأزحت الستار فرأيت ولداً يلبس الأبيض، عمره بين الأربعة أو الخمس سنوات وقال لي: ” انهضي بسرعة وتعالي إلى الكنيسة، العذراء القديسة تنتظرك!” …
تبعته، و كان ينشر النور حوله أينما حلّ. كل الأنوار كانت مضاءة في كل مكان مررنا به. هذا ما أذهلني ولكن مفاجأتي الكبرى كانت عند دخولي إلى الكنيسة…. انفتح الباب الكبير بمجرد لمس الملاك له. ولكني لم أكن أرى العذراء. فقادني الصبي إلى داخل المعبد بالقرب من كرسي الأب المدير (قرب المذبح) فسجدت هناك وبقي هو واقفاً بقربي. كنت أشعر بطول الوقت… وأخيراً أتت الساعة، فأعلمني الملاك وقال: ” ها هي العذراء القديسة، ها هي !” فسمعتُ حفيف رداء من حرير يأتي من ناحية المنصّة… يأتي ويجلس على كرسي على درجات المذبح… شككت أن تكون العذراء ولكن الولد قال لي : ” ها هي العذراء القديسة”.

Sainte Catherine Labouré, fêtée le 28 novembre
Sainte Catherine Labouré, fêtée le 28 novembre

يصعب عليّ وصف شعوري في ذلك الوقت أو ماذا كان يجول بداخلي… وكأني لا أرى العذراء. فردّد الولد: ” ها هي العذراء القديسة “.

(كاترين لا تستوعب وتبقى على بعد). عندها علا صوت الولد وكأنه بنبرة رجل … حينها، نظرت الى العذراء القديسة وما كان مني إلاّ أن قفزتُ نحوها وركعت على ركبتيَّ على درجات المذبح وأتكأتُ يديّ على ركبتيّ العذراء. هنا، قضيت أجمل وأعذب وقت في كل حياتي… يستحيل وصفه… 

قالت لي العذراء كيف يجب عليّ أن أتصرّف مع مرشدي وكيف أسلك في صعوباتي. ثم قالت:الله يريد أن يحملّك رسالة. ستتحملين المشقات… سيقاومونك. ولكنكِ ستحصلين على النعمة. لا تخافي. قولي كل شيء بثقة وبساطة… ثقيّ “. 

ثم غرقت العذراء في حزنٍ كبير وقالت: “ستكون الأيام سيئة، سينقلب العالم كلّه من جرّاء المصائب المتعدّدة. سيتعرّض

الصليب للإهانة والإزدراء. سيُرمى على ألأرض. ستجري الدماء. سيفتحون قلب سيّدنا من جديد. ستمتلئ الشوارع بالدم. سيكون العالم كلّه في الحزن.” كنا لم تعد تستطيع العذراء أن تكمل والحزن اشتدّ على ملامح وجهها. 

وأخيراً تكشف مريم لكاترين عن مشروعها لتأسيس جمعية جديدة للشبيبة. هذه الجمعية تسمّى اليوم: ” الشبيبة المريمية في عائلة مار منصور” 

وأضافت مريم :” تعالي إلى أقدام هذا المذبح. هنا، ستفيض النِعَم على جميع طالبيها بثقة وحرارة، كباراً وصغاراً. 

وأخيراً ذهبت واختفت كخيال يتبدَّد. نهضت كاترين ورجعت إلى سريرها يرافقها الولد. “أعتقد أنه كان ملاكي الحارس، تتابع كاترين، وعندما عدت إلى سريري سمعت الساعة تدّق الثانية ليلاً. وبعد ذلك لم أعد أستطيع أن أنام”.

ظهورات سيدة الأيقونة العجائبية لكاترين لابوريه
ظهورات سيدة الأيقونة العجائبية لكاترين لابوريه

في هذا الظهور الأوّل كان اللقاء حميماً بين كاترين وامّها السماوية. كانت العذراء الأمّ المرشدة لكاترين: قالت لها كيف تتصرّف في حياتها وكيف تتعامل مع الأب الروحي ومع مَن حولها. إنّ الإرشاد الروحي هو المرافقة في الحياة المسيحيّة. الأقدم في الإيمان يساعد الأصغر في تمييز إرادة الله في حياته. الإيمان المسيحي ليس تديُّن ولا تطبيق قوانين ووصايا بل هو لقاءٌ مع القائم من الموت وحياةٌ مع الحيّ. لذلك كل مؤمن هو بحاجة الى معلّمِ حياةٍ متمرّسٍ بالمسيح. مريم تعلّمني اليوم ألاّ أسير في إيماني لوحدي. 

” تعالي إلى أقدام هذا المذبح …” في هذه الكلمات تدلّ العذراء كاترين الى الينبوع الذي يفيض بكلّ تعزية وفرح وسلام ورجاء… إنّها توجّهها الى المذبح… الى يسوع الذي يقدّم ذاته لأجلنا… قلبه المفتوح يكشف لنا حبّ الآب… العذراء تدلّني الى مَن التجئ اليه في عطشي ونحو مَن أُوجِّه كلّ محتاج يستنجد بي ويطلب مساعدتي. 
المسيحي لا يقبل أن يكون هو الحلّ والسند لأحد. بل إنّه الجسر الذي يوصل الى المسيح، المخلّص الوحيد. وهذا الدور هو جوهر شفاعة مريم ووساطتها. لا تقف العذراء بيني وبين المسيح لأتعامل معه من خلالها بل هي تعمل كي يصل كلّ أبنائها الى اللقاء الشخصي بإبنها الوحيد. وصورتها وهي تحمل العالم وتقرّبها إلى ابنها أفضل تعبير عن هذا الدور الأمومي. 
كانت العذراء مريم كالأمّ الحنون التي تحمل هموم البشر، وتهتمّ بخلاصهم، وهي تعرف أنّ لا خلاص من دون ابنها يسوع الذي حمل هموم الإنسان على كتفيه حتى الصليب. حنانها الأمومي انعكاس لحنانه الأبوي… وحزنها ودموعها فيض من دموعه على العالم الذي أضاَع حبّ الآب وحضنها الدافئ هو الطريق للرجوع اليه…

ظهورات سيدة الأيقونة العجائبية – باريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *