أبٌ على مثالِ القدّيسِ يوسُف

كَما في الثالوثِ الأقدَسِ، يُحقِّقُ الآبُ مقاصِدَهُ في الرُّوحِ القُدُسِ. وهكذا أعطى هذا الرُّوحَ ليوسُف، هذا النجَّارُ البَسيطُ من الناصِرة، ليَسهَرَ على التَحقيقِ الصَّحيح لتَجسُّدِ الكَلِمة. يُقالُ أنَّ يُوسُف أنْجَزَ مُهمَّتَهُ في الصَّمْت. في الواقِع، كان علَيه أن يقول كلمةً واحدةً فَقَط: « يسوع »، ساعةَ تَسميَةِ الطِفلِ يسوع. هذه الكَلِمة التي نَطَقَ بِها يوسُف تُعبِّرُ عَن كلِّ إيمانِه الواثِقِ بالآب. إذ يقولُ القديسُ بولس: « فإذا شَهَدتَ بِفَمِكَ أنَّ يَسوعَ رَبّ…نِلتَ الخَلاص ». وبِلَفظِهِ لهذا الإسِم، أدركَ يوسُف هذا السِرّ الذي يَتَخطّاه. في الواقِع، وافَقَ على أن يُصبِحَ أباً لطُفلٍ لَم يُنجِبهُ، وأن يكونَ مسؤولاً عن أُسرَةٍ لم يؤَسِّسُها، وأن يُديرَ شؤونَها وفْق خُطَةٍ لم يَرسِمْها. إنّ إيمانَه هو الذي جَعَلَهُ واثقًا ومُطيعًا بِكلِّ دِقةٍ وسُرعَة لإرادَةِ الآب واضِعاً نَفسَهُ بينَ يَدَيه. وبالتالي أضحى النَموذَجَ المثاليّ لِكُلِ أبٍ بَشريّ.
في الحقيقة، بما أنّ كلُّ أبوّةٍ تأتي من الآب، فإنَّ كُلَّ رَجُلٍ، عندما يُصبِحُ أبًا، يَشرَعُ في مُغامَرَةٍ لن يَتَّقِنَها تمامًا. لأنَّ الوَلَد الذي يَلِدَه ليسَ لَهُ ولا يَستَطيعُ أن يفعل بِهِ ما يشاء. ولَكن يجبُ علَيهِ أن يُساعِدَه في اكتشافِ مواهِبِه الخاصَّةِ وتَنميَتِها بكلِّ مَسؤوليّةٍ حتى يُصبح إنساناً حُرّاً بالكامِل.