ما أجمل قداسنا اليوم، في ختام شهر أيار وفي عيد الزيارة، وفي هذه الأيام الواقعة بين الصعود والعنصرة. إذا سألني أحد: متى تحسّ أن الزمن مريميّ بامتياز؟ أُجيب: إنّ مريم في الكنيسة لها زمنان مميزان: زمن المجيء، حين كانت تنتظر ولادة يسوع، وهذه الأيام العشرة الممتدة من الصعود إلى العنصرة، حيث كانت تنتظر الروح القدس.
وسمعنا في الإنجيل أنّه بعد أن صعد يسوع إلى السماء، قال لهم: «امكثوا في أورشليم لتنالوا الروح القدس». فصعدوا إلى العليّة وكانوا مجتمعين يصلّون، مع من؟ مع مريم. ماذا كانوا يفعلون؟ يصلّون في انتظار الروح القدس، تمامًا كما كانت مريم في زمن المجيء تصلي بانتظار مجيء ابنها يسوع المسيح.
ولماذا مريم مهمّة في هذا الزمن؟ لأنّها، كما يُظهر لنا تاريخ الكنيسة، كانت حاضرة في الأوقات التي يجب أن تكون فيها حاضرة. لماذا كان مهمًّا أن تكون مريم حاضرة مع الرسل في هذا الوقت؟ لتُعلّمهم كيف ينتظرون الروح القدس. لأنّ لانتظار الروح القدس شروطًا ومعايير.
كي ننتظر الروح القدس، يجب أن نكون في وضعية معيّنة. ما هي؟ نحتاج إلى أمرين: التواضع والرجاء.
التواضع هو أن نقول: أنا ضعيف، أنا خاطئ، أنا بحاجة. المسيحية لا تقول إننا خطأة وضعفاء لكي نحتقر أنفسنا أو ننكسر، بل لننفتح على الله. كم هو جميل هذا الانفتاح! ومن كان قادرًا أن يعلّم الرسل هذا التواضع؟ مريم. ماذا تقول في نشيدها؟ «تعظّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنه نظر إلى أمَتِه الوضيعة». التواضع هنا يعني الفقر، ومريم كانت متواضعة لأنها شعرت بأنها فقيرة. ومع ذلك، تقول: «صنع بي عظائم».
إذاً، في فقرها وتواضعها، مريم لم تكن تخطئ، لكنها كانت ضعيفة، ومع ذلك كان عندها إيمان بأنّ الله يصنع المعجزات. كانت رافعة عينيها إلى السماء.
مشكلتنا، أنا وأنتم، إخوتي، أنّه عندما نخطئ أو نضعف أو نواجه مشاكل، نحصر نظرنا في أنفسنا، ونغرق في الظلام والتذمّر. مريم اليوم تعلّمنا أنه في الأوقات الصعبة، يجب أن نرفع عيوننا إلى فوق.
لذا، لانتظار الروح القدس، نحتاج أولاً إلى التواضع لندرك ضعفنا، فقرنا، وخطايانا. ونحتاج إلى الرجاء. نحتاج إلى الثقة بأنّ الرب لن يتركنا ولن يتخلى عنا.
قال لهم: “اثبتوا في أورشليم”. ما الذي يجعل الإنسان يثبت في الانتظار؟ الرجاء، وهو الثقة. ونحن، كلبنانيين، للأسف نفتقر إلى الثقة. الضربات المتتالية التي عشناها جعلتنا نفقد الرجاء، وهذا واقع نعيشه.
لكن، كم هو جميل اليوم أن تعود مريم لتعلّمنا الثقة، وتدعونا من جديد إلى الثبات، إلى الانتظار، إلى الرجاء في عمل الله في حياتنا.
وأود أن أقول لكم اليوم، إخوتي، من المهم جدًا أن نعود وندخل العلّية مع مريم، ننتظر الروح القدس.
نحن، في حياتنا، ننتظر الكثير من الأشخاص، واللبناني ينتظر كثيرًا… انتظرنا مرارًا وتكرارًا، ووُعدنا بآمال كبيرة، لكننا تلقّينا مليون خيبة أمل. رجونا حزبًا فخيّب أملنا، رجونا رئيسًا فأصابنا اليأس، رجونا دولة تُنقذنا فخذلتنا…
لكننا ننسى أنّ لدينا كنزًا: الرجاء بالرب يسوع، ونضيع وقتنا في أشياء صغيرة.
اليوم، إخوتي، نحن مدعوّون في ختام القدّاس، حين سنقوم بالتطواف، أن نمشي خلف يسوع مع مريم. إخترت اليوم هذه الأيقونة، والبعض منكم يعرفونها، أيقونة بيزنطية حيث مريم تشير إلى يسوع، كي نتبعها، وهي حاملة يسوع، حاملة الرجاء، لنسير خلفه.
هي تعلّمنا كيف نتبع الرب يسوع، كيف نضع عيوننا عليه، كيف نثبت فيه ونرجو فيه. لا نضيع يمينًا ويسارًا، ولا نضع ثقتنا وانتظاراتنا في أمور أخرى تخذلنا كل مرة أكثر من سابقتها.