إخوتي، كلمة الرب اليوم مهمة جدًا لحياتنا. لأننا، في كثير من الأحيان، مثل التلاميذ الأوائل، إذا لم نكن منوّرين بالإيمان الصحيح، نكون في خطر كبير أن نضيع في التفاصيل وننسى الجوهر.
انظروا، النقاش اليوم في سفر أعمال الرسل يُكمل ما قرأناه أمس وأول من أمس: هل يا ترى، لكي يخلُص الإنسان، عليه أن يُطبّق الشريعة؟ ونحن نعلم أن الشريعة كانت تحتوي أكثر من ٣٦٥ وصيّة من العهد القديم. فجاءت الكنيسة، وعقدت مجمع أورشليم، أول لقاء لقادة الكنيسة، واتخذوا قرارًا مشتركًا مع الروح القدس. هذا قرار عظيم، لأنه اتُّخذ تحت إلهام الروح القدس. ومفاده أن الإنسان ليس مُطالبًا بتطبيق الشريعة بحرفيتها، بل أن يعيش الإيمان.
قد تقولون لي: فإذا كان عند الإنسان إيمان، يحق له أن يفعل ما يشاء؟ أبدًا. ما هو الإيمان؟ الإيمان هو جوهر الحياة المسيحية، هو اتحاد الإنسان بالله. وما هو جوهر هذا الاتحاد؟ هو المحبة.
حين سألوا يسوع، قالوا له: ما هو ملخص الشريعة؟ أجابهم: “أحبب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل عقلك، ومن كل قوتك، وأحبب قريبك كنفسك”. أجابهم، هذا هو الأساس الذي يخلّص الإنسان: الحب.
فإذا، لماذا ندخل في نقاشات لا طائل منها؟ مثل: “يجب أن نصوم في الساعة التاسعة”، “هل نصلي الوردية ثلاث مسابح أم أربع؟”، “هل نقف أم نجلس؟”، “هل نركع أم نقف؟”، “هل نتناول بالإيد أم بالفم؟”… نضيع في تفاصيل تافهة ونختلف عليها، بينما نكون في الحقيقة نضرب المحبة.
القديس أغسطينوس له عبارة شهيرة يقول فيها: “أحبب وافعل ما تشاء”. لأنه إذا كنت تحب، فلن تكذب، وإذا كنت تحب، فلن تسبّ، وإذا كنت تحب، فلن تغتاب، وإذا كنت تحب، فلن تقتل، وإذا كنت تحب، فلن تسرق، وإذا كنت تحب، فلن تشتهي امرأة غيرك، وإذا كنت تحب، فلن تؤذي أحدًا.
تستطيع أن تكون راكعًا أمام القربان ولكن بعيدًا عن يسوع كما بين السماء والأرض. وتستطيع أن تكون واقفًا في لحظة جوهرية وقلبك متحد بيسوع. وتستطيع أن تكون مريضًا، جالسًا، ولكن قلبك متحد بالمسيح. أليس كذلك؟
نحن نضيع في التفاصيل وننسى الأساس. اريد ان أقول لكم شيئًا: القديسة ريتا عندما تزوّجت، لم تهتم بفستان العرس، ولا بحجم البيت، ولا بالجهاز أو الأثاث أو الطناجر أو الطبخ أو غيرها… بل اهتمت بالمحبة. لأنه عندما حصل خلاف بينها وبين زوجها، لو لم تكن غنية بالمحبة، ما كان زواجها استمر، ولا حصلت على توبة زوجها، ولا على توبة أولادها. أليس كذلك؟
وحين دخلت إلى الدير، لو اهتمت بالمظاهر الخارجية التي يهتم بها الناس، ما كانت استطاعت أن تصمد أمام صعوبات الحياة الرهبانية، وما كانت أصبحت راهبة قديسة أبدًا.
إخوتي، كلمة الله التي عاشتْها القديسة ريتا، والتي نحن مدعوون اليوم لنعيشها، هي التي تقودنا إلى الأساس، وهو المحبة.
قال لهم: “اثبتوا في محبتي”. الثبات في محبته، الثبات في هذا الحب الذي علّمنا إياه. قال لهم: “فاثبتوا في محبتي، …إذا حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي”. وما هي وصايا يسوع؟ “أحبوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم”، و”أحبوا أعداءكم”.
كل ما قاله يسوع أخذَه من العهد القديم. لكن الوصيتين اللتين أتى بهما يسوع وأصبحتا وصاياه الخاصة هما: الأولى “كما أنا أحببتكم”، والثانية “أحبوا الآخرين، حتى أعداءكم”. وهاتان الوصيتان، إخوتي، هما جوهر حياتنا المسيحية. لأنه من دون يسوع لا نستطيع أن نطبقهما.
لذلك، طلب منا أن نثبت فيه. لأنه إذا لم نكن ثابتين فيه، فلن نستطيع أن نعيش هاتين الوصيتين بقوة. فهاتان الوصيتان تحتاجان إلى نعمة يسوع المسيح.
فلنطلب، أنا وأنتم اليوم، شفاعة القديسة ريتا. فمنذ صغري علّمتني أمي أن أطلب شفاعتها، لكننا نطلبها غالبًا لأمور مادية.
اليوم، في هذا القداس، دعونا نطلب شفاعتها لكي تساعدنا على الثبات في يسوع، وأن نمتلئ بتلك المحبة التي يطلبها منا يسوع. آمين.