عظة الجمعة العظيمة للأب رمزي جريج

إخوتي،

يُطرح علينا دائمًا سؤال: أمام الشدائد والمصاعب، ماذا يجب أن نفعل؟ ما هو موقفنا؟

سأبدأ معكم:

عندما مات لعازر وتأخر يسوع يومين رغم محبته له، وعندما علمت مرتا بوصول يسوع، أسرعت للقائه، ودار بينهما حوار مهم للغاية ينبغي لنا أن نتأمله اليوم معًا.

قالت له مرتا أولًا:

“لو كنت ههنا، لما مات أخي!”

هذا هو العتاب: أمام الصعوبات، أول ردّة فعل غالبًا تكون عتابًا لله. فنقول له:

“أين كنت؟ لماذا تأخرت؟ لماذا لم تتدخل؟ لو كنت هنا، لما مات أخي!”

فأجابها يسوع قائلًا:

“سيقوم.”

فردّت مرتا:

“أعلم أنه سيقوم في اليوم الأخير.”

ظاهريًا يبدو جوابها إيمانًا، ولكن عند التعمق نجد أنه إيمان مغطى، تحته حقدٌ وألم:

كأنها تقول:

“سيقوم بعد ملايين السنين؟! أما أنا فأحتاج إليه اليوم!”

إخوتي،

أمام المصاعب والآلام، نجد أنفسنا دائمًا أمام موقفين:

• إما أن نعاتب الله ونلومه على عدم تدخله،

• أو نتظاهر بالإيمان، فنقول: “كما يريد الله”، بينما في أعماقنا نتمنى لو أن مشيئته كانت مختلفة.

وهنا الكارثة: من يقول “كما يريد الله”، يجب أن يكون فرِحًا، لا محطمًا أو مكسورًا.

هذا هو التديّن المزيف.

وأقول لكم،

هذان الموقفان يتشابهان مع ما حصل في بستان الجسمانية أمام الرب يسوع:

• الموقف الأول، عتابٌ ولوم: كأننا نواسي يسوع وندفنه ونرثيه.

• والموقف الثاني، تدينٌ مزيف: نتصور أننا نواسي جراحاته.

ولكن،

يسوع ليس بحاجة لمن يواسيه أو يطيب له جراحاته!

هو حاضر اليوم ليعلّمنا حياة جديدة.

يسوع قائمٌ من بين الأموات.

لقد حمل خطايانا وأوجاعنا وصعوباتنا، ونحن مدعوون اليوم أن نراه ونأخذ منه حياة جديدة.

إخوتي،

قرأت لكم اليوم آلام يسوع حسب إنجيل متى، الذي كتب لليهود العارفين بالعهد القديم.

متى يضع على فم يسوع على الصليب هذه الكلمات:

“إلهي إلهي، لماذا تركتني؟”

(المزمور 22).

لماذا؟

لأن الصلاة عند اليهود يجب أن تكون بصوت عالٍ. وإذا لم يستطع المصلي أن يكمل المزمور، كان يكفيه أن يردد المطلع بصوت عالٍ ليدل على أنه يصليه كاملًا.

على الصليب،

لم يكن يسوع قادرًا أن يتكلم بوضوح بسبب الألم والاختناق، لكنه قال مطلع المزمور، ليؤكد لنا أنه كان يصلي المزمور كاملًا.

هذا المزمور يبدأ بعتاب:

“إلهي إلهي، لماذا تركتني؟”

لكنه في منتصفه يقول:

“لقد أجبتني.”

يسوع، إذًا، ينقل البشرية من العتاب إلى الجواب.

الآب لم يُنزل يسوع عن الصليب، مع أنه كان قادرًا على ذلك.

لو أنزله، لكانت أعظم معجزة حدثت، ولكن لم تكن البشرية لتُخلص.

لم يكن وجعنا ليأخذ معنى، ولا موتنا ليحمل الخلاص.

على الصليب، يسوع كرّس الحب،

لا الحقد ولا الانتقام.

نحن، في حروبنا وحياتنا، نميل إلى الحقد والانتقام:

بين الزوج وزوجته، بين الإخوة، بين الشعوب.

لكن يسوع، بالصليب، كرّس الحب الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه.

وفي رسالة بطرس التي سمعناها اليوم،

يقول:

“اغتسلتم بدم المسيح وولدتم إلى رجاء حيّ.”

ماذا فعل يسوع؟

• تألم وتوجع ولم يشتكِ،

• لم يصرخ،

• لم يعاتب،

• لم ينتقم،

• بل سلم أمره إلى الآب بثقة كاملة.

هذا هو الرجاء.

ما الفرق بين الأمل والرجاء؟

• الأمل: هو تمني شيء قد يحدث وقد لا يحدث.

• الرجاء: هو الثقة بشخص نعلم يقينًا أنه لا يخيّب.

رجاؤنا ليس احتمالًا، بل يقين مبني على محبة الآب.

عندما صرخ يسوع على الصليب:

“بين يديك أستودع روحي”،

كان يقصد ثلاث معانٍ:

1. أنه يسلم روحه بالموت.

2. أنه يغفو مطمئنًا بين يدي أبيه.

3. أنه يرمي نفسه بثقة كاملة في حضن الآب.

تخيلوا طفلًا يلعب، صعد إلى مكان عالٍ، ينظر إلى والده ويقول له:

“أبي، أمسكني!”

لو كان الطفل يشك ولو بنسبة واحد بالألف أن أباه قد يخذله، لما رمى نفسه.

الرجاء هو هذه الثقة الكاملة.

إخوتي،

أمام الصعوبات والألم والفقر والحرب،

إما أن نرتمي بين يدي الله بثقة ورجاء،

أو نسقط في الخطيئة، في السرقة، في الحقد، في النميمة، في الانتقام، في المخدرات، في الخيانة الزوجية، في تفكك العائلة، في الغش، وفي تشويه صورة الآخرين.

ويلٌ لمن يروج المخدرات، فهو يصلب يسوع كل يوم.

لكن،

البشرى السارة اليوم:

أن يسوع الذي رمى نفسه بين يدي أبيه لم يخذل.

وفي فجر الأحد،

حينما ظنوا أن الموت انتصر،

إذا بالمفاجأة:

يسوع قام من بين الأموات.

إخوتي،

اليوم مدعوون أن نفكر:

• ما هي صعوباتنا؟

• ما هي جراحاتنا؟

• ما هي أزماتنا؟

ونقرر مع يسوع أن نرتمي بثقة بين يدي أبينا السماوي، لا بين يدي الخطيئة والموت.

وأختم قائلًا:

كما سنحمل يسوع ونهتف:

“يا شعبي وصحبي”،

هكذا نحن مدعوون أن نسير خلفه، لأنه وحده فتح لنا باب الحياة الحقيقية.

مسيرتنا خلفه لن تخيب أبدًا.

فلنأخذ دقيقة صمت قبل أن نتابع صلاتنا.