إخوتي،
اليوم كلمة الرب آتية لتضيء على حقيقتين نعيشهُما أنا وأنتم: وعد يسوع بالفرح وواقع قلبنا المضطرب، كما وعده بالسلام، بأن يكون الإنسان مرتاحًا ومطمئنًا ولكن هناك واقع: قلبنا مضطرب، وخائف.
أحببت كثيرًا هذا الإنجيل الذي سمعته، والذي رأيت فيه تركيزًا على ركائز أساسية: الحب، والعمل، والمعرفة. الحب الذي يدفعني إلى العمل، وعندما أعمل، أدخل في الحقيقة، في حقيقة الحب في المعرفة.
لأنكم، إخوتي، إن نظرتم ورأيتم الحقد، والضغينة التي تمرض القلب، فماذا تفعل؟ تقيدني، وتدخلني في الجهل والظلم. ما هو عكس الحب؟
أحببت كثيرًا ما ورد في أعمال الرسل، هناك حقيقة عاشها التلاميذ، وهناك حقيقة عاشها الذين سمعوا البشارة، وهناك حقيقة عاشتها الجماعة. ما كانت؟ إن لاحظتم، قال لهم: “فألقوا بينكم اضطرابًا”، لأنهم سمعوا كلامًا، واضطربوا، ووُضع في قلوبهم ونفوسهم قلق.
وهؤلاء لم يكونوا مرسلين من الله. هذا ليس صوت الله.
ما كانت البشارة التي كانوا يبشرون بها؟ إن انتبهتم، في بداية القراءة كانوا يقولون للناس: “إذا لم تختتنوا حسب شريعة موسى، لا يمكنكم أن تنالوا الخلاص”.
ما هذا، إخوتي؟ أليس هذا عكس الحب؟
ما هذه البشارة التي تخيف؟ تلك الكلمة التي تضع في قلوبنا الاضطراب، أمامها لا يستطيع الإنسان أن يكذب على نفسه، لا يستطيع أن يقول إن هذه البشارة تفرّحه، إن حب الله ليس مجانيًا!
إخوتي، الله يسمح لنا أن نفعل به كل شيء: أن نعلقه على الصليب، أن نقتله، لكنه لا يسمح بشيء واحد: أن يكون حبه تجارة، أن لا أقبل أن يكون حبه مجانيًا، أن أرفض أن يكون حبه بالمجّان.
ما كانت تلك البشارة؟ لم تكن بشارة. لا أستطيع حتى أن أسميها بشارة. ما تلك الكلمة التي كانت تزرع اضطرابًا في النفوس، في نفوس الجماعة؟ أن الخلاص بحاجة إلى شيء، إلى ثمن، إلى مقابل.
أنك اليوم، لكي تنال الخلاص، لكي تدخل في حب الله، هناك شيء يجب أن تدفعه، هناك ثمن.
وإخوتي، إن كانت هناك بشارة قادرة اليوم أن تفرح قلبي وقلبكم، كما سمعنا في رؤيا يوحنا – قد تكون رؤيا يوحنا صعبة بعض الشيء، فيها صور كثيرة – لكنني تأثرت كثيرًا بهذه الصورة التي تأتي في النهاية، حيث قال في ذلك الهيكل الذي وصف أعمدته الرسل، وصف كل شيء، ثم قال: “ما رأيت فيه هيكلًا، لأن الرب الإله القدير هو هيكله، وهو الحمل”.
إخوتي، يسوع إن جاء يحمل بشارة لقلوبنا، وأنت إن كنت تذهب إلى الهيكل لتقدّم ذبائح، لكي “تعمل لله”، ففي أورشليم الجديدة، في الملكوت، في الفرح، في السلام، لست أنت من تقدّم لله، بل الله بذاته هو الهيكل، هو التقدمة، هو الذي قدّم ذاته، هو الذي أحب.
من هنا، جاءت هذه البشارة، لكي يعطي يسوع وصية لنا. وأنتم تعرفون، عندما يوصي الإنسان، يقول خلاصة الأمور، يقول الزبدة. في الوصية لا وقت للكلام الكثير، بل يقال الأهم.
واليوم، قبل أن ينتقل يسوع من هذا العالم إلى أبيه، كان يقول لهم الزبدة، الجوهر، كان يقول لهم أهم ما في البشارة:
“الله جعلك ابنًا فيّ. أنا ابن الله، وقد كشفت لك عن حب الآب.”
ويقول لهم أمرًا آخر: لا تخافوا.
لأنه يعلم أنه في حياتك ستنسى، ومتى؟ أنا وأنتم ننسى في لحظة ضعف، في لحظة خوف، في لحظة موت، في لحظة مرض.
ما هو الصوت الذي يقرع باب قلبك؟
لو كنت محبوبًا، لما حصل كل هذا!
لو كان لك أب، لما كانت حياتك هكذا!
لو كنت محبوبًا، لما كانت صحتك هكذا، لما كانت دعوتك هكذا، لما كان واقعك هكذا، لما كانت عائلتك هكذا!
لما حدث هذا الحادث، ولم تغيّرت حياتك كلها!
ولو كان لك أب، لما حصل معك ما حصل في عملك، لما كنت على هذه الحال!
لكن يقول لهم: لا تخافوا، لأني أعلم أنكم أمام الصعوبات ستضعفون، وسيأتي صوت ينسيكم أن لكم أبًا.
لكن محبتي لن تترككم. سأعطيكم البارقليط، المعين، المدافع، المحامي، الذي يأتي في وقت الصعوبة، ليقول لكم: أنتم محبوبون، لكم أب.
حتى لو كنتم اليوم مرضى، لكم أب.
حتى لو كنتم اليوم مشلولين، لكم أب.
حتى لو كنتم اليوم مظلومين، أنتم لكم أب.
حتى لو كنتم خائفين، أنتم لكم أب.
واليوم، إخوتي، هذه البشارة تدخل قلبي وقلبكم في الحب الحقيقي.
لأنني أعلم أنني محبوب، وأمام هذا الحب، تصبح حياتي مليئة بالحب، وأدخل في الحقيقة، وأبدأ أتعرف.
نحن نعتقد أن المعرفة هي التي تُكسب الحق، وأن من يعرف ينال المعرفة، لكنني أعرف أنني محبوب، وأن حقي في هذه الدنيا أن أُحب من أبي بهذا المقدار.
ولأنني محبوب، أنا بسلام.
نحن لا نكون بسلام عندما نسترد حقنا بالقوة، عندما نرد الخطيئة بالخطيئة.
متى نكون أنا وأنتم في الفرح والسلام؟
حين نعرف أنه في الظلم، في الموت، في الألم، أنا وأنتم محبوبون. هناك من يحبني، ويحبني مجانًا.
لذلك، أدعوكم في هذا الوقت أن نضع قلوبنا أمام الرب، الذي أتى اليوم ليقول هذه البشارة التي تفرحني.
إن كان قلبي مضطربًا، لأن هناك كلمة تضع فيه القلق،
وإن كنت خائفًا، لأن أمام حب الله هناك صوت يقول لي: هذه كذبة، أنت لست محبوبًا،
أمام هذا الصوت، هناك صوت الله، الذي هو أقوى، كما يقول الإنجيل، آتٍ ليقول لك حقيقة لا يستطيع أحد أن يكذبها.
إنها حقيقة، فقط عندما تعيشها، تعرف أنها حقيقية، ولا أحد يستطيع إنكارها.
واليوم، هذه الحقيقة آتية لتقول لقلبي: “أنت محبوب، لك أب يحبك، وهذا الأب أعدّ لك بيتًا”.
وعندما نتعب، أين نذهب؟
أمام التعب، ماذا نتمنى؟ أن نكون في أجمل مكان في الدنيا.
أمام التعب، ما هي الرغبة التي تولد في قلبي؟
أريد أن أعود إلى البيت، أريد أن أرتاح في بيتي.
فلنعد، إخوتي، اليوم إلى هذه اليقظة: أن لنا أبًا أعدّ لنا بيتًا لنرتاح فيه.
وراحة قلبي وقلبكم، وفرحي، أن أكون في هذا البيت، لأشبع من حبه،
وحبه يعطي لقلبي فرحًا وسلامًا وراحة، وسلامًا لا يعطيه العالم، يعطيه هو وحده، ولا أحد يستطيع أن يأخذه.
أدعوكم أن نأخذ دقيقة صمت، لنتأمل بهذه الكلمة، وأنا وأنتم اليوم نضع قلوبنا في هذا القداس، لكي يلاقينا الرب في حبه.