عظة الأب إيلي شمعون – ٨ حزيران ٢٠٢٥

إخوتي، في عيد العنصرة، نحتفل اليوم بوعد الله الذي يتحقق، بوعده الذي قال فيه: “لن أترككم وحدكم، لن أترككم لحالكم، بل سأرسل إليكم الروح المؤيد، الذي يعزّيكم، ويدافع عنكم.” ما أجمل أن نكون اليوم في قدّاس المرضى نحتفل معًا بعيد العنصرة.

إخوتي، ماذا يختبر الإنسان في حياته؟ ما هي تلك الخبرة الوجودية التي نعيشها جميعًا، ولا تشبهها خبرة؟ إنها خبرة الضعف، خبرة المرض، خبرة المحدودية، خبرة الألم، خبرة الظلم، خبرة اللحظات التي تكثر فيها الأسئلة ولا نجد لها أجوبة. إنها خبرة الوحدة، خبرة الخوف.

في القراءة الأولى من أعمال الرسل، أين كان التلاميذ؟ كانوا محتجزين في العلّية، مغلقين على أنفسهم من شدة الخوف. وهذا الواقع يشبه قلب كلٍّ منّا، حين نخاف، حين نواجه الصعوبات، فنغلق أبواب قلوبنا على أنفسنا. ولكن، إخوتي، اليوم يأتي وعد الله ليقول لقلبي: “لا شيء يعصى عليّ. لا الجدران تعيقني، ولا الوحدة تغلبني.”

لكن ماذا يريد الربّ أن يعمل في حياتي وحياتكم اليوم؟ يريدني أن أقبل الدخول في علاقة معه. في الإنجيل، يقول يسوع لتلاميذه قولًا رائعًا: “من يحبني يحفظ وصاياي، وأنا أرسل إليه الروح القدس.” إخوتي، الروح القدس لا يفرض نفسه على حياتنا بالقوة. الله لا يقتحم حياتنا بالعنف، بل هو ينتظر قلبًا يرغب بالدخول في علاقة معه.

في ضعفنا، كثيرًا ما نعتقد أننا غير قادرين، وننسى أن الله هو من يعمل فينا. نضعف، فنستسلم، فنغلق الأبواب، ونهرب. ولكن يوم العنصرة جاء ليقول لقلوبنا: “في ضعفك، في خطيئتك، في عدم قدرتك، لست وحدك. ولست أنت من سيقوم بهذا العمل وحدك.” كيف يعمل الله؟ يريد منّا أن نقبل أن يعمل هو، أن يكون قلبنا منفتحًا، حرًّا، طائعًا.

حرية القلب هي في التفاعل مع النعمة، في قبول الروح الذي يعمل فينا. أحببت كثيرًا ما قاله بولس في الرسالة: “أجسادكم المائتة تحتاج أن تختبر الحياة.” ما هي هذه الخبرة التي نحن مدعوون إليها اليوم في العنصرة؟ إنها أن نختبر ولادة جديدة تنبع من الروح القدس.

انظروا إلى تاريخ الخلاص: بدأ في العهد الجديد بمريم، حين حلّ عليها الروح القدس. واليوم، التلاميذ كانوا بشرًا خائفين، كلٌّ منهم يخشى على حياته، على رقبته، متوارين، متخبّئين. ما الذي جعلهم يخرجون ويبشّرون؟ إنه الروح القدس الذي امتلأوا به.

يسألنا الإنجيل اليوم: “مِن أي روح أنت ممتلئ؟ من روح محبة الله أم من روح العالم؟” إخوتي، هناك أرواح كثيرة تأتي لتسكن في القلب، تدفعنا لأعمال قد تبدو صالحة، لكن بأي روح نعمل؟ هل نحن نعمل بالحب، أم خارج الحب؟ هناك الكثير من الناس يساعدون الفقراء، يتحدثون عن الله، يجمعون الأموال… لكن هل هذا يتم بروح الله أم بروح العالم؟

السؤال ليس “ماذا أعمل؟” بل “مع من أعمل؟” يسوع يقول اليوم: “الروح الذي أعطيكم إيّاه، سيسكن فيكم، يحلّ فيكم، ويصبح جزءًا من حياتكم.” حين تكون علاقتنا به حقيقية، تصبح أعمالنا ثمرًا ناتجًا عن هذه العلاقة، عن هذا الحب.

هذا العيد هو عيد لنا جميعًا، لأنه في تعبنا، في مرضنا، في ضعفنا، في خطيئتنا، في وجعنا، ندرك كم نحن بحاجة إلى روحه، وكم نحن فارغون إن لم نمتلئ به.

اليوم، قلوبنا بحاجة لأن تختبر هذه الحقيقة: أن هناك روحًا قادمًا ليسكن فيها، ليملأها، روح محبة الله.

ما هو الروح القدس؟ كثيرًا ما نختزله إلى مجرّد “همة” تساعدنا في اتخاذ قرارات بسيطة، كأن ننجح في فحص أو نختار عملًا. لكن هذا تفكير عالمي، ليس من الروح القدس.

الروح القدس هو روح حكمة الله. في كلّ عمل، في كلّ دعوة، يمنحنا الحكمة كي نكتشف أننا مدعوون لنكون مع الله.

أنتم، في حياتكم الزوجية، في أعمالكم، تدركون أن اتخاذ القرارات ليس دائمًا أمرًا سهلًا. القرار ليس مجرد خيار عقلي، بل هو قرار قلب أن يكون مع الله.

نخطئ أحيانًا في قراراتنا، لكن الأهم: هل كان قلبي مع الله حين اتخذت القرار؟ أم كنت بدونه؟

فلنقبل اليوم أن يسكن الروح فينا، في قراراتنا، في حيرتنا، في مخاوفنا، في شعورنا بالضعف. فنتذوّق قوّة المؤيّد، فرح الروح، الذي يجعل قلوبنا في شركة مع الله.

أدعوكم في هذا الزمن أن تضعوا قلوبكم بجرأة أمام الرب، لتستقبل روحه، لتكتشفوا أنّه قادر أن يجدّد وجه الأرض من خلال وجهكم الجديد، من خلال حضور روحه فيكم.

هذا هو الوعد: أن نكون أبناءً له، أن يكون روحه ساكنًا فينا، أن تضوي حياتنا من الداخل بنور روحه.

وفي الوقت الذي سنمزج فيه مياه لورد بمياه مغارتنا، سنختبر أمانة الله الذي لا يترك شعبه. وسنختبر كيف أن وجه الأرض يتجدّد حين يتجدّد وجه الإنسان.