الله معكم إخوتي،
اليوم تحتفل الكنيسة بعيد صعود الرب يسوع بجسده القائم من بين الأموات، بهذا الجسد نفسه الذي يحمل علامات آلامه وموته على الصليب. ما لمسني في هذا الإنجيل، إخوتي، هو هذا التحوّل النوعي في نظرة التلاميذ نحو صعود الرب يسوع إلى السماء، حين صعد إلى الآب السماوي. هذا الغياب الجسدي ليس غيابًا بالمعنى السلبي، بل بداية مرحلة جديدة.
أول ما أقلق التلاميذ حين أخبرهم يسوع بصعوده، كما نقرأ في الإنجيل الذي يسبق النص الذي سمعناه اليوم، أنهم حزنوا، فوبّخهم يسوع وقال لهم: “أنتم لا تفهمون أن صعودي إلى الآب هو لصالحكم، ولأجل الكنيسة”. لأن مفاعيل قيامتي من بين الأموات ستنسكب نعمةً على كل إنسان، وابتداءً من صعودي، سيبدأ عهد جديد، مرحلة جديدة.
إن لم أصعد، يقول الرب، فلن تكتمل الرسالة. حتى موتي وقيامتي يجب أن يأخذا فعلهما في قلب العالم. لا يمكننا أن نستبق الملكوت، ولا يمكننا أن نحرق المراحل، إنما العالم اليوم بحاجة إلى خلاص، وهذا الخلاص قد بدأ بموت وقيامة يسوع المسيح، ويجب أن يستمر من خلال رسالة الكنيسة، ومن خلال رسالة كل واحد منا.
وفي نهاية الإنجيل، نرى أن الرسل، بعد أن صعد الرب يسوع إلى السماء ولم يعودوا يرونه، سجدوا له اعترافًا بألوهيته، واعترافًا بأنه هو المسيح، المخلّص، ابن الله. ثم رجعوا إلى أورشليم وهم في فرح عظيم، وكانوا يلازمون الهيكل ويسبّحون الله.
لماذا امتلأوا فرحًا؟
لأنهم فهموا أن موت يسوع وقيامته وصعوده إلى السماء، وهو يحمل معنا آلامنا، همومنا، وخطايانا، إلى الآب السماوي، يفتح لنا مرحلة جديدة. لم تعد السماء بعيدة. في السابق، كان يُظن أن السماء هي مكان حضور الله البعيد عن الإنسان، أما الآن، في يسوع المسيح، فقد اقتربت السماء.
بموته وقيامته وصعوده، لم تعد خطيئتي وضعفي حاجزًا بيني وبين الله. بصعود الرب يسوع، تحقّق العمل الفدائي الذي هدم الهوّة التي تفصلنا عن السماء. لذلك لم يعد التلاميذ خائفين، لم يعودوا تائهين، لم يعودوا يسألون: “إلى أين تذهب؟ وما هي الطريق؟”.
فهموا عندما قال لهم: “أنا هو الطريق والحق والحياة”، أن كلامه وأعماله، ومعجزاته وغفرانه للخطايا، كانت حضورًا فعليًا للملكوت، وأن السماء أصبحت حاضرة، قريبة، بينهم.
من هنا، بصعود الرب يسوع، تدخل الكنيسة مرحلة جديدة: مرحلة الروح، مرحلة عمل الله فينا. لذلك قال لهم: “لا تتحركوا، لا تقوموا بأي خطوة قبل أن يحلّ عليكم الروح القدس”. لأنهم لا يستطيعون أن يكملوا المسيرة وحدهم. الرب صاعد، لكن روحه سيكون معهم.
نحن أيضًا، إخوتي، بهذا الصعود، مدعوون أن نتذكّر أننا في يوم من الأيام انسكب في قلوبنا الروح القدس، في المعمودية. كلنا مدعوون أن نتذكّر أننا معمّدون، أن الله ساكن فينا، وأن الرب يسوع ليس بعيدًا عنا. السماء أصبحت قريبة، ويمكننا أن نلمس يسوع اليوم وكل يوم، كما نلمسه في القداس، بكلمته في الإنجيل، وفي تناول جسده ودمه.
نحن نلمسه عندما نمسك جسده المقدس ونأكله، وكأنه حاضر بيننا، وكأننا نعانق الرب يسوع. لم يتغيّر شيء، إنما تغيّرت فقط صورة حضوره.
لذلك، إخوتي، الكنيسة تبدأ مرحلة جديدة، ليست فقط حضورًا مختلفًا للرب، بل أيضًا رسالة واضحة. فالصعود يطلق الكنيسة في مشروع جديد: أن تكون مرسلة إلى العالم. من الآن وحتى المجيء الثاني للرب، الكنيسة مرسلة، ونحن مرسلون. نحن لا ننتظر فقط، بل نعمل ونبشّر ونشهد.
لأن السماء صارت قريبة، نحن مدعوون أن نعيش كأن الملكوت حاضر. في تصرفاتنا، في أقوالنا، في أفعالنا، نبدأ بإظهار وجه من وجوه ملكوت السماء.
كيف؟ بأن نعيش رسالة الكنيسة، التي تتذكّر أولاً محبة الله الكبيرة لها، حتى عندما كانت خاطئة، وثانيًا، رحمة الله التي لا تزول، والتي تعود إلينا في كل ساعة، رغم ضعفنا وخطايانا.
الرب يقول لكل واحد منا: “قم، لا تخف، أنا معك”. يمسك بيدنا، ويوقفنا مجددًا، لكي نكمل الرسالة، رغم ضعفنا، لكن بقوة النعمة التي انسكبت في قلب كل واحد منا، مثلما انسكبت في قلب الرسل.
فلنتذكّر اليوم هاتين الحقيقتين: أن الله حاضر فينا، ساكن في قلوبنا بالروح القدس، وأننا نحن الكنيسة، لسنا فقط حجارة، بل كل واحد منا هو الكنيسة.
نحن، بصعود الرب يسوع، دخلنا في مشروع رسالة: أن نحقّق ملكوت الله حيث يوجد الحزن، حيث يوجد الكره، حيث يوجد الظلم. أن نحضره إلى هناك، حيث يجب أن توجد المحبة، السلام، والرحمة، حيث يُحسّ الإنسان بفقر الآخر وألمه.
مدعوون أن نعيش هذه الحقيقة، إلى أن يأتي اليوم الذي نُجمع فيه كلنا في ملكوت السماوات، حيث لا ألم، ولا خوف، ولا ضعف.
فلنطلب في هذه الضيقة، نعمة أن نتذكّر هاتين الحقيقتين: أن الرب معنا، وأننا مرسلون لحمل محبته ورحمته إلى قلب هذا العالم.