بِسَبَبِ الرَغبَةِ الشَّديدةِ في احترامِ الشَخِص البَشريّ في ذاتِهِ وفراديَّتِه، وَقَعَ عالَمُنا في تَعدُّديَّةٍ مِعياريَّةِ إلى حَدِّ العَدَميَّة. لَم يَعُد هُناكَ أيَّةُ حَقيقَةٍ مَوضوعيَّة: لكلِّ فَردٍ حَقيقتُهُ الخاصَة وقِيَمُهُ وكلُّ شَيءٍ يَخضَعُ لِهذا الرأي العَام المُتغيِّر والقابِلِ للتَلاعُب حسَب الرَغبة.
أمّا يسوعُ، على العكسِ من ذلِكَ ومع احترامِه لحُريَّةِ وذاتيَّةِ كلِّ إنسانٍ، مَخلوقِه ، يُعطي تلاميذَهُ، المُشوَّشينَ بِسبِب رَحيلِهِ الوَشيك، ثلاثُ كَلماتٍ – مفاتيح يُمكِنُهُم مِن خلالِها الحِفاظَ على كلِّ رَجاء.
بما أنَّ الإنسانَ خُلِقَ بِرَغبَةٍ عَميقَةٍ في البَحثِ عن الآبِ خالِقِه، يُؤكِّدُ يَسوع أنَّهُ هو نَفسُه « الطريق » الوَحيد والحَقيقيّ لِلعثورِ على هذا الآب. لا تعاليمُهُ ولا مُعجِزاتُه، بَل شَخصُهُ هو الطَريقُ إلى الآب : « أنا الطَّريق… ما مِن أحدٍ يَستَطيعُ أن يُقبِلَ إليّ إلّا إذا اجتَذَبَهُ الآب ».
« أنا الحقُّ »، يقولُ يَسوع. الحَقيقَةُ المَوضوعيَّةُ الوَحيدةُ والحَقيقيَّة التي هِيَ فوقَ كلِّ قوَّةٍ بَشريَّةٍ ولا يَمكِنُ لأحَدٍ أن يَمتَلِكَها أو يَستَغِلُّها في خِدمَتِه. هذه هي الحقيقَةُ المُنتَصِرة على الشيطان، أبو الكَذِب. ولهذا يقولُ لنا : « فليَكُن كلامُكُم : نعَم نعَم، ولا لا. فما زادَ عَن ذلِك كانَ مِن الشِّرير ».
« أنا الحياة »، يقولُ أخيراً. هوَ المَصدَرُ الوَحيدُ والحَقيقيّ لِكلِّ أشكالِ الحَياة. نَحنُ مَدينونُ لَهُ بِحياتِنا الجَسديَّةِ والفِكريَّةِ والعاطفيَّةِ والاجتماعيَّةِ وكلُّ ما تَحتويه.في الواقع أنَّنا لسنا أسيادُ حياتِنا. لكنَّ كلَّ شيءٍ يأتي إلينا مجانًا مِنه.