الإيمانُ والفَهِم

دعونا لا نتفاجأ عِندما نَرى بعض تلاميذِ يَسوع، بَعدَ أن سَمِعوا مِنهُ أنَّ جَسَدَهُ طعامٌ حقيقيّ ودَمَه شرابٌ حقيقيّ، قد إرتدّوا وانقطَعوا عَن السَير مَعه. فالقديسُ بطرس نفسَهُ، رأسُ الرسُل، عِندما أجابَ : « يا ربّ، إلى مَن نَذهَب وكلامُ الحياةِ الأبديّة عِندَك ؟ »، لم يَفهَم ، لَكنَّهُ فقط قامَ بِفِعلِ إيمان. هل فَهِمَت مريم جيّداً كلّ ما وَردَ في بشارةِ المَلاكِ عِندما أخبَرها أنَّها ستَحمِلُ بقوَّةِ الروحِ القُدس وتَلِد مُخلِّص العَالم ؟

ونَحن أيضًا، بعد ألفي عام مِن تَعليم الكنيسة، لم نَفهَم تمامًا عُمقَ هذه الكلمة. فهل نتصوَّر حقاً أن نُشكِّل مع يسوع، بأكلِه، جَسداً واحداً، جَسدَه كلَّهُ ورأسَهُ وأعضاءَه، المسيح الكُليّ، المسيحُ فينا ونَحنُ في المسيح، كما يقولُ القديس أغسطينوس؟ هَل فَهِمنا حقًا كيفَ سنَكونُ مُتَّحدينَ مع بَعضِنا البَعض بحيثُ نُصبح إخوةً لكلِّ إنسانٍ على هذهِ الأرض؟

دعونا نُعيدُ قراءَة كَلِمةِ الله ونتأمَّلُ فيها باستِمرار، ولا نَكَتفي بِفهمِ المَعنى الحَرفيّ الذي اعتَدنا عَليه. ولَكِن لنَطلُب مِنَ الروحِ القُدسِ أن يَكشِفَ لنا المَعنى الكريستولوجي، المَعنى الحَقيقيّ الذي يُريدُه الله. هذِه القراءة هي التي تَصنَعُ الجِدَّةَ الدائِمة للكتابِ المُقدس حيثُ نجد دائمًا ما نحتاجه لنَعيشَ مسيحيًّا في المواقِفِ المُختَلفَة لوجودِنا.