أقامت بازيليك سيدة الأيقونة العجائبية للآباء اللعازريين حدثاً تاريخياً مهماً إن على الصعيد الروحي أولاً أو الإجتماعي ثانياً وهو توقيع “أخوّة روحية” بينها وبين مزار “لورد” العالمي الشهير .
وكان ذلك بحضور وتوقيع المسؤول الأول عن معبد لورد المونسنيور ريمون زمبيلّي (Mgr. Raymond Zambelli) والذي حضر خصيصاً الى لبنان لهذه المناسبة. إنّ أهمية هذا الحدث وهذه الإخوّة أو التوأمة هو بعيد عن روح الشعوذة والتديّن الطبيعي ويقع في صلب الإيمان المسيحي الذي محوره وأساسه ليس سوى اللقاء الشخصي لكلّ إنسان بيسوع المسيح مخلّص البشر.
في الإيمان المسيحي العميق ليس هنالك لا من تماثيل عجائبية ولا من مياه سحرية ولا من أماكن مقدسة بالمعنى الوثني. فبتجسد المسيح أصبحت الأرض كلها مقدسة وكل ربوعها مكاناً لحضور الله ولإمكانية اللقاء به واختبار حبّه الأبوي لنا. إلاّ أنه (وبسبب تعلق الإنسان المكوّن من جسد وروح بعلامات حسّية تساعد إيمانه واستجابة لحاجته للملموس كي يصل إلى رؤية وجه الذي لا وجه له والذي ما كان ليُدركه لو لم يتجسد في وجه إنسان) فالله يعطينا أماكن وأشخاصاً يكونون الإطار المساعد لخبرة روحية ولقاء معه.
ومن بين هذه الأماكن مغارة لورد التي بظهور العذراء عام ١٨٥٨ وخبرة القديسة برناديت وخبرة الملايين والملايين بعدها من الحجّاج والمؤمنين الذين يقصدون هذا المكان، أصبحت الإطار للقاء خاص بالله ذي طابع فريد بلا شك. أصبحت لورد مكان اختبار حب الله القريب من آلامنا وأوجاعنا وأمراضنا ومشاكلنا، اختبار حبّه الأبوي الساهر علينا خاصة في وقت الضعف، حبّ أبوي ظهر لنا في أمومة العذراء .
فالعجائب الكثيرة هناك ليست سوى علامة حسّية صغيرة لعجائب روحية أكبر ولا تُحصى للذين يجدون الرجاء والتعزية في مرضهم وآلامهم. بهذه الأخوّة بين كنيستنا (التي هي ابنة كنيسة ظهورات العذراء البريئة من الخطيئة الأصلية، سيدة الأيقونة العجائبيّة، في شارع Rue du Bac باريس) وبين مغارة لورد، هو فرصة لنا لنخلق للكثيرين في أرض لبنان المقدسة والعالم العربي والذين لن يستطيعوا زيارة مغارة لورد في فرنسا، أن يستفيدوا من زيارةٍ هنا، قد تكون مهمةً لحياتهم الإيمانية. وكم نحن بحاجة في لبنان لا لتماثيل تبكي أو لصور ترشح زيتاً بل لمكان يختبر فيه الإنسان رحمة الله وحبّه أثناء المحن.
ومن الناحية الإجتماعية فإن هذه الإخوّة ستربط مؤمني لبنان ربطاً معنوياً وروحياً بملايين المؤمنين من العالم كله الذين يقصدون لورد كل سنة وكان من بينهم في أواخر أيامه قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الكبير قبيل وفاته إذ أرادها رحلة حج له، ليكون فيها مريضاً بين المرضى.
وكم نحن، مؤمنو لبنان، بحاجة لمثل هذا الدعم الروحي والمعنوي لنبقى هنا وليشع إيماننا في هذه الأرض التي سلمها الله لنا.
لم تنتهي نِِعَم السماء هنا فكان للعذراء موعد آخر مع بيروت ومع لبنان كلّه حول مغارة لورد و بازيليك سيدة الأيقونة العجائبية.
فتحت عنوان: “معها على خطى ابنها في شوارع بيروت” نظم الآباء اللعازريون مسيرة صلاة بالمشاعل لمناسبة ختام الشهر المريمي وبرعاية سيادة المطران بولس مطر، رئيس أساقفة بيروت للموارنة من كاتدرائيّة مار جرجس للموارنة في قلب بيروت إلى مغارة لورد في حديقة البازيليك وذلك يوم السبت ٢٧ أيّار ٢٠٠٦ . انطلق الموكب الساعة ٧.١٥ من وسط بيروت باتجاه كاتدرائيّة مار الياس للأرمن الكاثوليك حيث كانت المحطّة الأولى وكان باستقبال المصلين سيادة المطران. ثم المحطّة الثانية امام كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس حيث انشد الجميع ترنيمة من الطقس البيزنطي للعذراء ثم صلّى الجميع صلاة مسبحة القلب وتابعوا باتجاه ساحة ساسين حيث فاق عدد المشاركين العشرة آلاف مؤمن وانتقل الجميع الى حديقة الدير حيث ترأس القدّاس الإلهي في مغارة لورد المونسنيور منصور لبكي في تمام الساعة التاسعة وعاونه المونسنيور ريمون زامبيلّي،
المسؤول الأوّل عن مغارة لورد – فرنسا والذي حضر خصيصاً للمناسبة. كما ورنّمت القداّس السيّدة ماجدة الرّومي . إنه لحدث بالغ الأهمية بالنسبة للمسيحيين في بيروت ولبنان. هو شهادة بأنّ المسيح ما زال يمرّ في شوارعنا وفي حياتنا اليوميّة، وهو غير بعيد عن همومنا وعن حياتنا. هذا الحدث هو رمز ايضاً لإرادتنا لعيش المحبّة فيما بيننا على الطرقات والساحات التي تحوّلت الى اماكن تظاهر للتجاذب والنزاع وزرع الأحقاد. كانت هذه المسيرة ظاهرة مسكونيّة بامتياز.
قال المنسنيور زامبيلّي عن مغارة لبنان بأنّها ستكون امتداداً لمغارة لورد كي يجد كلّ من يزورها في لبنان أو في لورد وكأنّه في جوّ العائلة نفسها. كم نحن بحاجة لواحة سلام ورجاء وايمان في قلب بيروت في وسط الضوضاء والضجيج وحياة الركض والتوتّر؛ واحة يشعر فيها الإنسان أنّه ابنٌ مغمور بحنان الى صدر أمّ تقوده الى أبيه الحقيقي.