عظة الأب إيلي شمعون بمناسبة اختتام السنة الدراسية لتلامذة ثانوية راهبات المحبة الأشرفية

عظة الأب إيلي شمعون بمناسبة اختتام السنة الدراسية لتلامذة ثانوية راهبات المحبة الأشرفية

أحبّ أن أقول لكم، إخوتي، لأنّي أرى اليوم في وجوهكم علامات الفرح والحب، نتيجة الخبرة التي عشتموها مع يسوع، والتي أُتيح لي هذا العام أن أشهد عليها، أن أرى ما فعله الله في حياتنا معًا. كيف أضاء حياتنا في اللحظات التي كنا فيها في الحفرة، في لحظات الحزن والتعب واليأس. جاء يسوع وأظهر لنا محبته، ووعدنا وعدًا: أنّ لنا، اليوم، فرصة أن نبدأ من جديد معه.

أحببت كثيرًا الكلمة الافتتاحية التي ألقيتموها، والتي عبّرت عن مدى امتنانكم. وعندما تكلّم رفيقكم، رأيت في وجوهكم دمعة الفرح، دمعة الامتنان. أنتم تعلمون أن القدّاس هو فعل شكر، هو الابن الذي أخذ كل شيء من أبيه، وفي الذبيحة الإلهية يعيد تقديم كل ما ناله إلى أبيه. هو عمل شكر.

نحن اليوم نعيش خبرة الامتنان، خبرة “شكرًا يا رب”. وأودّ أن أقول لكم شيئًا: هذه الخبرة هي أوّل اختبار في الحياة يجعلنا ننضج. أتدرون لماذا؟ أحببت كثيرًا بداية الرسالة حين يقول بولس: “افرحوا في الرب دائمًا”. الرب، إذا وعد، فإنّه يفي. وماذا يريد الله منّا؟ أتتذكّرون؟ الله لا يريد شيئًا منّا، الأب لا يطلب شيئًا من أولاده سوى أن يكونوا فرحين.

وتعلمون متى ينضج الإنسان؟ متى ينتقل من المراهقة إلى النضج؟ هي تلك اللحظة التي نعيشها اليوم، لحظة الامتنان. في المراهقة، نقف أمام أهلنا والسلطة ونتذمّر: “لا، ممنوع، لا يمكنك”، ونشعر بأنّ كل شيء ضدّنا. لكن متى يكبر الابن؟ عندما ينظر إلى والده ويقول له: “شكرًا على كل شيء”. حتى في لحظات القيد، حتى في الأوقات التي ظننت فيها أنك تقيدني، كنت في الحقيقة تحبّني وتربّيني وتكبرني.

اليوم، في هذه الخبرة، أنتم تعيدون قراءة تاريخكم، وتكتشفون أن السنوات التي قضيتموها في المدرسة، رغم الصعوبات، كانت مليئة بالحب، وأننا ممتنّون لأساتذتنا، لبعضنا البعض، للرفقاء الذين وقفوا إلى جانبنا، للراهبات اللواتي كنّ كأمهات لنا، شعرن بأوجاعنا وأعطيننا كلمة حب من الله.

واليوم، أمام هذا الوعد الإلهي، أن الله قريب، وأنه يمشي معنا خطوة بخطوة، أنه حاضر في حياتنا ولن يتركنا، أمام هذا المشروع الذي بدأه ولن يتوقف، أحببت أن نعيش سويًا هذا الإنجيل. الإنسان عندما ينتقل إلى مرحلة جديدة، يظنّ أنه لا بدّ أن يقطع مع الماضي. لكن هناك خطر كبير: أن نظنّ أن النضج يعني الانفصال عن الله والآخرين. لا، الله اليوم يقول لك: “إذا أردت أن تُثمر، إن أردت أن تكون حياتك جميلة، يجب أن تبقى متصلاً بي”.

أعطانا الرب صورة الكرمة. أنتم تعرفون أن الفلاح لا يقطع الغصن إلا إذا كان يابسًا. أما إذا كان فيه حياة، فإنه يتركه ليعطي ثمرًا. الله لا يريدنا أن نبقى مربوطين به خوفًا أو خضوعًا، بل لأنه يرى فينا حياة، يرى فينا دعوة حب.

المشكلة اليوم أن هناك من ينظر إلينا ويقول: “لا أمل فيك، لا أثق بك، أنت فاشل”. وهذه الكلمة تؤلم وتكسر. لكن الله اليوم يقول: “أنا أثق بك. أنت غصن حي، فيك نواة حياة، مشروع حب”. وإذا بقينا موصولين به، فسوف نثمر، وسوف يضوي نور كبير.

الله لا يتمجّد لأننا نزحف إليه أو نخدمه فقط، بل يتمجّد حين يرى ثمر محبتنا، حين يرى الامتنان في عيون أساتذتنا، الراهبات، الذين تعبوا معنا، حين يروننا ناجحين، فرحين، ممتلئين حبًا.

الكنيسة، منذ أيام، أصبح لها بابا جديد. وفي كلمته الأولى، في البركة الأولى، قال: “الله يحبكم. الله يحبّ كل واحد منكم”. وهذا الإله الذي يحبّني هو أمين، يمدّ يده إليّ. فإذا أمسكت بيده، فسوف أتمكّن من أن أمدّ يدي لأخي، ونبني معًا جسور حياة وسلام وحب.

الله يمدّ يده إليك لأنه يثق بك. واللحظة التي تسحب فيها يدك من يد الله، هي لحظة تحرم فيها نفسك من السعادة، وتحرم أخاك من أن يختبر حب الله من خلالك.

فلنضع أيدينا في يد الله، ولنقل: “يا رب، إنك أمين، كنت أمينًا معي، رافقتني، أحببتني، كبرتني، واليوم، أريد أن أمجّدك بثماري، بالحب الذي أقدّمه، بالفرح الذي يضيء قلبي وأعمالي، بمستقبلي الذي أضعه بين يديك”.

والبابا ختم كلمته قائلاً: “ليس الشرّ هو الذي ينتصر، بل الحب هو المنتصر في النهاية”. فلنقل مع القديس بولس: “أنا قوي بالذي يقوّيني”، لأنّ أبي هو الله، وأبي أقوى من أيّ أب آخر، هو الحب الذي سينير حياتنا.

فلنأخذ دقيقة صمت، لنتأمّل في هذه الكلمة، وندخل في امتنان عميق، لأنّ الربّ جاء ليحبّنا، ويحبّنا كثيرًا.