في نَصّ عرس قانا الجَليل، تَبدو إجابَةُ يسوع لأمِّه باردة وجافة. ولكِنْ على العَكسِ من ذلك، تُظهِرُ بَقيَّة القصّة وجودَ توافُق وانسجام إلى حدٍّ ما بينَ يسوع وأمّه، وثقةً مُطلقة من مريم في ابنِها. وهي بذلك تَعكُسُ انفتاحاً هادِئاً نحو المُستقبَل، في الرجاء الراسِخ بأنَّ يَسوع وحدَه قادرٌ على التَصرُّفِ بفعاليَّةٍ في حالةِ النَقصِ أو الضيقِ.
في الواقع، سبّق يسوع، استجابةً لأمه، موعِدَ ساعَتِه المُحدَّدة منذ الأزل من قبَلِ الآب، ساعةَ مَجدِه : أي لحظة ظهورِه كمَسيحٍ ومخلِّص من خلالِ صليبِه وقيامَتِه من بين الأموات. وهذا يُبيّن قوَّةَ إيمانِ مريم وثقتها بابنِها وكذلِك التقدير والإحترام الكبيرَين من يسوع لأمِّه.
« مَهما قالَ لَكُم فافعلوه »، قالَت مَريم للخَدَم في العرس. إنّه إيمانُ مريم الذي جَعل يسوع يُحوِّل الماءَ العاديّ إلى خَمرٍ لذيذ، وهكذا جعلَتنا نكتشِف أنّ يسوع، بينما يشاركنا أفراحنا الإنسانية، يريد أن يأخُذنا إلى ما يَتجاوز السَّعادة البَشريّة. فهو يريد أن يجعلنا نتذوق الخمر اللذيذ الذي سيشاركه معنا في ملكوته، والذي يُقدّم لنا مِنهُ تذوقاً مُسبقًا في الخمر الذي يتحوّل إلى دمه في سرّ الإفخارستيّا.
هل لدَينا، على مِثالِ مَريم، الثِقَة الإيمانيَّة في لحظات اضطِرابِنا، وقَلقِنا، وتعاسَتِنا… وفي كلِّ ظُروفِ حياتِنا، بأنّ يسوع وحدَه قادِرٌ على العَملِ بفعاليَّة من أجل خيرِنا الأفضل ؟